ببنغازي.. الخطايا لا تبرره حسن النوايا

ببنغازي.. الخطايا لا تبرره حسن النوايا

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

new-article1_9-11-2016

صدق سيدنا المصطفى صل الله علية وسلم بقوله: “أنما الاعمال بالنيات ولكل …” ولكن كون أن النية محلها القلب فهي إذن شأن رباني…. فبمغادرة الروح يقف القلب عن الخفقان وربما بوقوف القلب على ضخ الدم تقلع الروح من منصة المضغة بوابة الخروج لحضرة الاشراقات الكونية.. تغيب المادة ولا يهم أي العملتين أصح.. فسيبقى القلب بخيوط المضغة حلقة الوصل بين العقل والروح.. نعم القلب هو خزان أو مركز تفكير ” Think Tank” للعقل وهو أيضاً مقر الأمان والحضن الدافئ لأنوار الأيمان لذلك فقد فسر لنا عليه أفضل الصلاة والتسليم بأن “الأيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل”.. إذن ما حصل من عمل نضالي وانتصار للحرية والتحرر من دكتاتورية معمر القذافي خلال فبراير 2011 لم يكن بنوايا صادقه؟!  نعم ما يحصل اليوم من فوضى انتشار السلاح والحرابة والخطف والقتل والقصف والدمار والحرق.. لا يتوافق أبدا ولا يتناغم البتة مع عمل الاحرار الذين تمردوا على ظلم القذافي من الشهيد محمد زيو إلى جيش الصاعقة إلى شباب ليبيا وشيبيها بل ونسائها وعجائزها.. نعم جميع الأحرار أنصار الحرية ساهموا من بعد 17 فبراير إلى إعلان التحرير ولكن ما حصل بعد ذلك لا ينم على صدق النوايا بالرغم بعجلة النية أستمر الوضع مقبول حتى نهاية 2013!

نكبة فبراير!!!

سأشارك أخواتي وأخواني في ليبيا الذين تشنف أذانهم سماع قراءة العنوان الفرعي بمقالتي اليوم وتتكحل عيونهم وتستطعم شفاههم شهد العسل بقراءة نص.. نكبة فبراير..  نعم أنها نكبة اختلاف نوايا المشاركين في اقتلاع دكتاتورية معمر العسكرية من على سدة الحكم العسكري الذي أستمر لأربعة عقود.. بالرغم من الاتفاق التام على تحديد الهدف وتصويب فوهات مدافعنا وبنادقنا وحتى مكبرات منابرنا نحوه!!! بالتأكيد اختلفت النوايا واختلطت مع نوايا تهدف لخلق الفوضى في ليبيا سواء كانت “الفوضى الخلاقة” أو سواها.. أو نوايا تترقب الفرصة لتنقض على كرسي السلطة.. بل هناك من تبدلت نواياهم مع امتلاك الأموال كهدية أو بعد السقوط في فخوخ المال بترتيب أو صدفة! بمد اليد لما لا يعنيهم بحجة الحرمان أو ربما الانتقام من النظام السابق!

إذن تحولت النية الصادقة لاجتثاث الدكتاتور معمر القذافي التي أريد بها رفع الظلم عن الناس للعيش بكرامة أملا في كسب الأجر من الله.. إلى تحقيق مآرب دنيوية وبدون وجه حق.. ومن هنا بدأ مشوار نكبة فبراير فبدلا من الحرية والتحرر ورضى الله.. بات الكثير من أشباه الثوار، ما بعد التحرير، الركض وراء نزوات شهوانية تهوي بهم إلى أسفل السافلين.. فاستُغلوا من قبل الطامحين في الوصول إلى السلطة باسم الدين وباسم الجيش بل وحتى باسم الدولة الإسلامية وكذلك الوطنية.. نعم الكل استغل الفوضى لأهداف اختلفت عن شعارات فبراير.. الحرية والعدالة الاجتماعية.. واتفقت في هدف واحد عدم قيام الدولة لتنتكب فبراير وتتحول من تحرر وحرية إلى نكبة.. ولا ننسى في هذا الصدد أصحاب “يا يوم من أيام معمر” الذين وظفوا المليارات من أموال الشعب الليبي المسروقة لشراء الذمم وخلق الأزمات بالتخريب أو بالتهديد وحتى بالإغراءات.. فغابت البنزين، والكهرباء، والخبز.. بل واختفت السيولة النقدية لتتكدس خارج ليبيا على الضفتين الشرقية والغربية..!!! رغبة في تأكيد نكبة فبراير..

بل وبجهلنا كشعب عاش لأربعة عقود بعيدا عن المراس الديمقراطي أوصلنا عبر الصندوق المتخلفين، وبعض المتأسلمين، إلى المؤتمر الوطني العام.. بل وبإرادتنا وجهلنا وفوضتنا ساهمنا في وصول بعض اتباع معمر إلى البرلمان.. وأكدنا لجميع ضحايا معمر القذافي نكبة فبراير.. وساهم في تأكيد ذلك كل من بات يتشدق علينا باسم الدولة الإسلامية ويحاول إلجام أفواهنا بالشريعة الإسلامية، حسب فهمه، وكأننا كفرة لا نؤمن بأركان الأيمان ولا نؤدي فرائض وقواعد بنيان الإسلام..

ضبابية المشهد والضحية فبراير:

لم يفرز الفبرايري عن غيره من المتسلقين.. فقفز في سفينة فبراير الغث والسمين.. بل وتعمد كُثر بمختلف توجهاتهم قبول حتى المتطرفين بمختلف مشاربهم العسكرية والدينية والإجرامية.

وبدأ الانقلاب على فبراير من بعد انتخابات 7-7-2012 بالرغم من أنها كانت خطوة ناجحة على طريق الديمقراطية وبناء الدولة المدنية.. إلا أن استعجال الانتخابات قبل النضج الفكري والسياسي للساسة والشعب فجر بركان الخطايا في حق الناس.. وقبل فتح مسارات للعدالة الانتقال للوصول إلى المصالحة الوطنية أوقع الكثير على صخرة القنوط وتحطمت عليها أحلام انتفاضة 17 فبراير وبدأت النكبة.. وهذه السلبيات يمكن تعديدها فيما يلي:

  • بسبب العاطفة الدينية تسرب التطرف وتمددت السلفية “الوهابية” ووظفت في الصراع على السلطة ومحاربة الديمقراطية وكتائبهم مع جيش حفتر.
  • أثمرت نبتة معمر الشيطانية “الانتقام” فوسعت من دائرة العداء بطرح فكرة العزل السياسي بصورة منفرة.
  • عدم استيعاب المجموعات المسلحة مبكرا فمنها من انجرت وراء التطرف الديني وأخرى دخلت في الصراع السياسي والبعض الأخر استوطنوا العالم الإجرامي.
  • التخاذل في حل كارثة تهجير العائلات الليبية بالداخل والخارج!
  • صحيح التدخلات الخارجية لعبت أدوارا سلبية لكن يظل اللوم الحقيقي علينا نحن ولو أن تجربتنا في الحوار وممارسة الديمقراطية معدومة.

التآمر على شرارة فبراير “بنغازي”:

بغض النظر من أوقد مشعل فبراير في البيضاء أم بنغازي فدوري فبراير بدأ على ساحة بنغازي.. من بنغازي أقول قلة الخبرة أولا، وملاصقة المخابرات الاجنبية للحراك الفبرايري خطوة بخطوة ثانيا، وتضارب المصالح الخارجية وكذلك الداخلية وخاصة بعد اغتيال الشهيد عبدالفتاح يونس، سجلت ضد مجهول، ثالثا.. فقد حيد مسار فبراير عن جادته وأدخل في متاهات أوصلته إلى حرب أهلية وقصف بالطيران ودمار ونزوح أهالي وتيتيم أطفال!!!

يرى الكاتب بأن الاغتيالات في بنغازي قامت بها أطراف عدة. وبافتراض أن بعض الاغتيالات وراؤها التطرف الديني بثوب “فبرايري” لكن التقاط صورة هذا المشهد عند المخابرات الأجنبية “عربية” دفعهم لتجهيز كتابة سيناريو مشروع “الكرامة” كإحدى البدائل.. وبعد زيادة حجم الاغتيالات بما فيها الانتقامية رفعت الستائر على خشبة مسرح بنغازي لتباشر العروض الدامية والمدمرة.. لا يمكننا الخوض في حسن النوايا من عدمها.. فلن نُكذب من يريد الدفاع عن فبراير وسنصدق من يدعي محاربة الإرهاب الذي لم نرى منه أي تحقيق أو نتيجة تذكر!!! وتبقى النتيجة تشريد أهالي الصابرى وتدمير أجزاء منه بالإضافة إلى الفندق وسوق الحوت.. ولا ننسى قنفودة وقصفها ورفض السماح للعائلات العالقة بها للخروج ولو كان معهم مقاتلين ترفض عودة حكم العسكر ولم يثبت أي تحقيق تورطها في اغتيال..

التأسيس المدني لليبيا:

قد نتفق مع بعض تعريفات الإرهاب بأنه: المعوق لقيام الدولة المدنية. ولكن لا يمكن الرجوع إلى الحكم العسكري بحجة محاربة الإرهاب، غير المُعرف، بالرغم من أننا لا نستطيع أن ننفي الحاجة إلى القوة العسكرية المحترفة لاستقرار الدولة ومحاربة المعوق لبناء الدولة. لا ننفي بأن ضبابية المشهد تجعل من كلا الطرفين المتحاربين في بنغازي مستند إلى حجج قد تظهر مقبولة وبعيدا عما يفضون به من نوايا ظاهرها مقبول لأطراف متعددة. إلا أنه وبالمقارنة فالحرب على الإرهاب في سرت واضحة المعالم حيث أفحص الإرهاب وأعلن عن نفسه وجاهر بقطع الرؤوس علنا في ميدان جزيرة الزعفران! ومع هذا الوضوح الجلي لحرب داعش للدولة المدنية توجد محاولات إعلامية مضادة تعمل على تسفيه عملية البنيان المرصوص وتقزيم نتائج انتصاره دحر لسرطان داعش وتشد في المقابل انتباه المشاهد إلى الدمار الذي خلفته الحرب وتضخيمه واعتبار شهداء البنيان المرصوص مساكين مغرر بهم!!!

الإرهاب بوجود الجيش!

بكل أسف عوضا أن نتنافس على بناء الدولة المدنية يوظف الاعلام لوضع العصا في دواليب بناء الدولة .. والمتصارعون بالسلاح على السلطة وبسط الهيمنة بقوة السلاح هم العدو الأكبر لليبيا.. لا بدأ أن يجلس من يدعي أنه وطني أو يتمسك بالدين ويصل إلى صيغة اتفاق بالحوار السلمي وليس بفرض القوة على الأرض! والحقيقة لا يوجد أمن في أي مدينة بليبيا لغياب مؤسسات أمن تنسيقية مركزية. والمفروض أن توكل مهام أمن المواطن/ة وتطبيق القانون للشرطة.. ومع قبول مساندة الجيش للشرطة إلا أن مهمته حماية الحدود والدستور المفقود!!!

بحجة محاربة الإرهاب دخلت قوات حفتر كجيش مختلط بكتائب مدنية ودينية.. وتردد على مسامعي في بنغازي من بعض ممن التقيت بهم بأن الخوف دخل لنفوس كثر بعد أن تمت الاعتقالات للمشتبه بهم بالجملة. وهذا نتيجة للتوتر الحاصل وغياب السلم والأمان. ويستمر الإرهاب “النكرة” وترمى جثث على مرتين: 14 جثة بقرب مقر صندوق الضمان الاجتماعي و 10 جثة بمكبات القمامة بشارع الزيت وبدون الكشف عن الجناة ولا تحقيقات وأدلة واضحة للعيان بل هناك من يقول بأن اغتيال الشهيد الأستاذ/ محمد أبوقعقيص لامتلاكه معلومات قد تدين بعض المساندين للجيش المحارب في بنغازي.. يعترف الأعلام المظلل بأن هناك تقصير وتقاعص من الجيش في حماية المدنيين ولكنه لا يدين الجيش الذي يحارب الإرهاب!!! بل أن تعليل هذه الاغتيالات هو لإرهاب الشعب بسبب دعمه للجيش.. لا أدري كيف يمكن فك هذه الطلاسم المتناقضة!!!

فنجد ببنغازي كُثر من يرفضون ابداء الرأي بصراحة وهناك من تطرف في رأيه وأقتنع بأنه على الجيش أن يضحى بالعدد القليل من الأسر الليبية العالقة بقنفودة مقابل القضاء على المقاتلين الذين قبلوا بإسلاميين متشددين، تحت عبائتهم! بالطبع لا أحد ينعتهم بأنهم داعش وإنما أخوان وخوارج!!! نعم أنها الضبابية والإمعان في تعقيد المشهد في بنغازي لانتصار الحرب على السلام!!!  والكاتب يود أن يشير بأنه في إحدى نصوص اتفاقيات جنيف بأن صفة المدنية لا تنتفي بسبب وجود أشخاص غير مدنيين وعبرت عنه الاتفاقية: “أي أن تلك الصفة لا تنتفي عند تواجد شخص محارب بين السكان المدنيين”.

يجب الإصرار على حماية الآسر العالقة بدون شروط تمنع المقاتلين من الخروج معهم فالتعديلات على بروتوكول الحماية المدنية خلال الحرب في 1977 ومن القواعد الخاصة لتحديد الوضع القانوني للشخص المدني المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (4) من الاتفاق: “وإذا ثار الشك حول ما إذا كان الشخص مدنياً أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنيًا”.

النصوص موضوعة لمحاربين من دول مختلفة.. فلا ننسى أننا نتكلم على حرب أهلية بين ابناء وبنات وطن واحد ولو وجد بعض الاجانب عند الطرفين المتحاربين.  العدو الخارجي هو الممول للحرب باسم الجيش الذي في الحقيقة هو أفراد من الجيش الليبي ولكن هناك كتائب السلفيين وأولياء الدم، وكتائب تبو وكتائب طوارق! بل وحتى أجانب من العدل والمساواة!

كلمة أخيرة:

حسن النوايا لم يمنع وقوع خطايا بدأت خلال انتفاضة 17 فبراير بحيث لم يكن هناك نقاش معمق بين النخب لاستقراء الاحداث ووضع سيناريوهات محتملة لما بعد التحرير. اليوم على الجميع ترجمة حسن النوايا بعمل يوقف الحرب ويدعو للسلام وبناء دولة مدنية دولة العدل والقانون.. فعلى المجلس الوطني الانتقالي والمجلس الرئاسي (مجلس الدولة، السيد الغويل، حضرة المفتي) والبرلمان والسيد خليفة بلقاسم حفتر أيجاد وسيلة للتواصل مع بعض. وعلى السادة المحترمين المتصدرين للمشهد السياسي والعسكري بدون استثناء التكرم بالعلم بأن قصة الإرهاب الحقيقي المرعب لليبيين والليبيات هو استمرار الحرب وليس جرائم القتل المسجلة ضد مجهول.. هذا هو الإرهاب.. فصناعة السلام هي ما سيؤكد للجميع صدق النوايا.. والتاريخ يسجل ولن يكتب عن النوايا بل بإمكانيات التوثيق المعاصرة سيتحفظ التاريخ بأدق الأفعال ولن يرحم الظلمة تجار الحرب بل ستلاحقهم اللعنة إلى يوم الدين..

عاشت بنغازي حرة.. تدر بنغازي تادرفت.. تدر ليبيا تادرفت

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

التعليقات: 2

  • محمد حسين

    الثورة البائسة أو لنقول المؤامرة هي سبب نكبة ليبيا واﻵن نرى الثوار قد سرقوا ونهبوا ودمروا ليبيا باسم الثورة وبعدين كاتب المقال ألم يتفرج على تصريحات بوقعيقيص رحمه الله تعالى أم يريد أن يقنعنا بوزحار المتسلق الثوري السابق بأن الجيش هو من قتل بوقعيقيص والمثل الليبي يقول الله ايجيرك من كذاب وملاطعي ولاأدري هل بوزحار يفهم هذا المثل ونصيحتي له بترك الكتابة لأنه لايجيدها وعلى صحيفة عين ليبيا اﻹخوانية أن تستحي من نشر مثل هذا الغثاء.

  • عبد الرحمن العريبي

    كلام فى منتهى الصدق والموضوعية ما أجمل كلمة السلام وما أعظمها ودائما وعبر التاريخ هى كلمة الشجعان
    و لك أطيب التحيات

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً