بين اقتصاد الحق واقتصاد الباطل

بين اقتصاد الحق واقتصاد الباطل

أنا لست متخصصاً في الاقتصاد، ولكن عندما يشتد الغلاء وتحرق الأسعار جيوب الناس منذ خمس سنوات والمورّد للبضاعة يشتري الدولار من المصرف بالسعر الرسمي ثم يبيع للمواطنين البضاعة وكأنه اشترى الدولار من السوق الموازي فإنه حتى (عيشة العورة) من حقها تعيّط وتقول رأيها على ضوء ما يمليه المنطق البسيط. لأنه عندما يكون العود أعوجا فيستطيع حتى الأعمى بأن يقول بأنه أعوج عن طريق اللمس.
عجبا وأي عجب . ماذا يعني قرار المجلس الرئاسي بضخ (700 مليون دولار ) لاستيراد السلع التموينية؟. يهدف هذا القرار الى ” فتح المجال أمام جميع المورّدين للحصول على فرصة عادلة للحصول على التوريدات” ؟؟؟!!!. يعني لا نفهم كثيرا في الاقتصاد ولا نعرف فن التحايل ، ولكن نعقل بعض الأمور. هذه العبارة تشرح لماذا يتكالب المورّدون على الحصول على غنيمة الاستيراد !!؟. إذن الهدف هو العدل بين المورّدين الذين لم يتوانوا يوما عن مص دماء الشعب ؛ وليس الهدف هو تمكين المواطن من الحصول على البضاعة بسعر رخيص. اذا كان أصحاب الشركة الموردة يشترون الدولار المدعوم من المصرف ثم يبيعون لنا البضاعة بالغلاء والكواء على أساس سعر الدولار في السوق الموازي ؛ فلا غرابة أن نراهم يتقاتلون من أجل الحصول على نصيبهم من دولارات كعكة الاستيراد.
لقد صار الشعب المسكين كالمحلل الأهبل . يقرأون الفاتحة باسمه ثم يقومون هم بتنفيذ الباقي. يعني يستمتع المورّد بالدولار رخيصا باسم الشعب ؛ ويبع البضاعة الموردة ( هذا اذا لم يأت بالحاويات مليئة بالحجارة أو قارورات الماء ) بسعر وكأنه اشترى الدولار من السوق الموازي.
إذن والحالة هذه يا من تقبضون على السلطة في البلاد أوقفوا هذه المهزلة. أعطو الدعم المالي الذي تدعمون به الموردين الى الشعب مباشرة برفع المرتبات. ومن أراد من الموردين أن يستورد بضاعة فليشتري الدولار بالسعر الموازي من السوق الموازي. ويكون دور المصرف المركزي والمصارف العاملة في البلاد هو الاشراف واجراء التحويلات المصرفية سترا لعورة البلاد وطمأنة الجهات الخارجية بحصول واقعة الضمان المالي. وليبيع المستورد بضاعته بالسعر الذي يناسبه. ويكون الشعب حرا في شراء البضاعة التي تناسبه جودة وسعرا.
متى نتوقف في ليبيا عن منطق وسياسة ( وين وذنك ياجحا ؟). ألغوا كل أنواع الدعم . وأعطوا قيمة الدعم مرتبات للعاملين والمتقاعدين. واتركو الشعب يفكر لنفسه. ومهما تحدث من لخبطة في البداية لكن الناس سوف تتعلم. كفانا من اعتبار المواطن قاصرا وأحمقا ؛ وأن الدولة هي ( البابا وهي الماما ).
هذا الموقف من الدولة قد يكون ستار للسلب والنهب. هو ستار للفساد والرشوة والبلاء. هو سرقة باسم الشرع والقانون ، هو تخليق أجيال جديدة من عائلات ومافيات وعصابات تعوّدت على احتكار السلطة ، والسيطرة على سوق الذهب ، واستيراد البضائع، وادارة المصارف ، وإدارة شركات ومؤسسات النفط ، وإدارة شركات الاتصالات والمعلومات ، واحتكار السوق.
هذا بالضبط ، والشيء بالشيء يذكر كما يقولون ، اعتراض ورفض ( كل من يسوس البلاد اليوم ) تطبيق نظام حكم لامركزي كامل الصلاحيات لاقاليم يتم تقسيم البلاد اليها. إنها نفس العائلات التي تحكم ليبيا منذ استقلال البلاد عام 1952م وحتى اليوم ؛ وما تخلّق عنها من عائلات ومافيات بحكم الزواج والمصالح في العقود التالية. وقد عملت هذه العائلات جهدها في رفض أي تطوير وتحسين في عقلية المواطن ، وفي تجديد نظام الحكم ، وفي تنظيم مؤسسات الدولة ، وتحديث أساليب العيش.
لقد افتضح كل أفّاك ، وانكشف كل مستور ، وتعرّى كل مراوغ بعد ثورة الحق والضمير في 17 فبراير المجيدة. ومهما تفنّنتم أيها الثعالب وتحذلقتم فلن تنعموا بعروشكم ، ولا سرقاتكم ، ولا قصوركم لأن هذا حكم الله وسنة الكون. وقد يغضب الذين تحركوا في 17 فبراير وخرّبوا بيت القذافي ( وهو أبرع وأذكى منكم آلاف المرات ) من جديد ويخربون بيوت الظالمين منكم بثورة جديدة . أو قد يثور الفقراء والمساكين والعاجزون والصابرون في الطوابير بالدعاء عليكم مساء صباحا الى الله العلي القدير : أن يا الله : ضاقت علينا الأرض بما رحبت من عباد سلّمتهم أمرنا ، ويسّرت لهم حكمنا ؛ فطغوا وبغوأ وأهلكوا الحرث والنسل. اللهم أمنع أذاهم عنا. اللهم : سبع سنوات عجاف مرّت بعد سقوط الشهداء ، ولا زلنا بين ناب سبع وسمّ حيّة رقطاء. اللهم : إن كان هذا فتنة لهم ولنا فنسألك أن ينزل علينا وعليهم حكمك لنكون جميعا عبرة لمن سيأتي بعدنا. اللهم : إنك آتيت حكامنا سلطانا ومالا كما أعطيت فرعون وقارون فعتوا غن أمرك طغيانا وبغيا ، اللهم إن كانوا كذلك فأشدد على قلوب الظالمين منهم فلا يؤمنوا حتى يرو العذاب الأليم.. ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عثمان زوبي

كاتب ليبي.

اترك تعليقاً