ثلاثية الفقر والغنى: “الدعم ـ الاعتمادات ـ الدولار”

ثلاثية الفقر والغنى: “الدعم ـ الاعتمادات ـ الدولار”

قرابة 47 سنة، هي العمر الافتراضي للاقتصاد المحلي الذي اعتمدت فيه الدولة على سياسة اقتصادية مبنية على دعم المحروقات والسلع الغذائية بالاعتمادات المستندية لاستيرادها، بالشراكة التجار مباشرة، كي تباع من المفترض للمواطن بسعر أقل من سعر السوق الموازي.

غير أننا وبعد نحو نصف قرن نرث التبعات السلبية لذلك النظام، فلا يخفى تفاقم الوضع بعد فقدان سيطرة الدولة على أراضيها عامة، بما في ذلك المنافذ الحدودية، حيث لا أحد قادر على ضبط تهريب المحروقات الذي كشف رئيس قسم التحقيقات “الصديق الصور” مؤخرا عن وجود شبكات دولية منظمة هربت جزءا مما نسبته 80% من المحروقات المستوردة للبلاد عبر مناطق الساحل المعروفة، ناهيك عن السلع الاستهلاكية، والفساد المصرفي الناتج عن تدهور الأوضاع الأمنية.

زيادة عن شبهات “الفساد”، وهو ما أشار إليه ديوان المحاسية أخيرا في رده على قائمة الاعتمادات المعلنة من طرف المجلس الرئاسي التي قيل إنها مخصصة بقيمة 1.5 مليار دولار للمواد الأساسية لشهر رمضان، في المقابل نجد المدفوع مبالغ فيه على الفواكه “التفاح والموز” والشاي وغيرهم بقيمة تصل 40 مليون دولار لكل منهما وقد تكفي سنة، هذه التجاوزات لا تقابلها المحاسبة ولا الحل، بل تهيج العقول “الجظرانية” المطالبة دائما بالتقسيم أو إقفال خطوط المياه أو النفط، وهو ما نعاني من نتائجه حد الساعة.

نجد الأخطاء نفسها مكررة دائما، ففي منشور مصرف ليبيا المركزي ل 2017، بيع  ما يقارب 10 مليارات دولار في الاعتمادات والدعم ، وهو الرقم الضخم الذي يعادل ميزانية دول، لم يستفد المواطن البسيط إلا القليل، منه فكلنا شاهد أو سمع عن حاويات مملؤة بالماء أو التراب؛ وغيرها الكثير.

ووفقًا لذلك اقترح حلا مؤقتا لا يتجاوز تنفيذه الثلاث سنوات حتى تتعافى الدولة سياسيا واقتصاديا، ويمنح الوقت الكافي لوضع سياسية نقدية وائتمانية صحيحة طال انتظارها، لاسيما أنه بالإمكان الاستفادة من المناخ الشعبي الذي يرحب بأي فكرة إصلاحية للاقتصاد، بعد معاناته من تداعيات انهيار الدينار إلى 10 دنانير أمام الدولار.

لهذا اقترح تعميم نظام بيع العملة حتى على مخصصات الاعتمادات المستندية والدعم، بآلية بيع مخصصات الأسرة نفسها، يتضح ذلك وفق معادلة بسيطة في الآتي:

– تبلغ سياسة بيع 400 دولار لكل فرد كلف الدولة ما يقرب 3 مليار دولار في 2017، مقابل أن نظام الاعتمادات والدعم كلف الدولة ما يقارب 10 مليارات للعام نفسه.

– حتى تضبط الفكرة، تُربط بنظام الرقم الوطني على مخصصات الدعم والاعتمادات التي هي 10 مليار دولار على منح الأسرة، بحيث كان نصيب كل مواطن من هذا البند 1300 دولار في 2017، وبإضافة 400 دولار سيكون إجمالي العملة التي سيشتريها من البنوك 1900 دولار،.

هذه أرقام تقريبية لن تكون أقل من ذلك في العام الجاري.

مما سبق ذكره له مزاياه وعيوبه:

أولاً : المزايا

1- وقف الفساد المصرفي بشكل كامل في مجال الاعتمادات المستندية.

2ـ استفادة المواطن من هامش الربح من جراء بيع العملة ، أي بعبارة أخرى تحسين دخل المواطن في كامل مدن ليبيا ” ولن يكون حكرا على تجار المدينة “س” او “ص” كما هو في احصائية منشورة في موقع التواصل الاجتماعية التي تظهر عدم التوازن الفج بين المدن وهذا الامر متوقع سواء كانت تلك الاحصائية صحيحة او مزورة ، ومن الميزات المنشودة لهذه الالية انها ستحقق التوازن ليس بين المدن بل بين كل المواطنين داخل كل مدينة اذ ان الدولار لن يكون حكرًا على التجار الفاسدين وحاملي البنادق ” المليشيات ” أو لمن له علاقة بمركز مهم في أحد المصارف بل كل مواطن سيأخذ نصيبه بالتساوي  .

3- تجفيف أحد أهم منابع تمويل الإرهاب والمليشيات بعد انعدام الربح في التهريب.

4 – فرصة إعادة هيكلة الاقتصاد بعيدًا عن شعبوية الخطاب السياسي، وتصحيح الفهم الشعبي بأن للدعم مخاطر وإلغاءه مكسب للجميع.

5- إحداث أثر مباشر في السوق الموازية للعملة ؛ لأن الموطن سيسعى لبيع العملة مما سيؤدي لزيادة عرضها وهو الأمر الذي سيسبب في انخفاض سعر الدولار أمام الدينار ، بعكس الحال عندما يتعلق الأمر بالاعتمادات ، حيث يقوم التجار بتهريب العملة للخارج وشراء عقارات بها واستثمارات خارجية دون أن تحدث أي فارق في السوق الليبي.

6- توفير السيولة النقدية في المصارف بعد أن يبيع المواطن نقدًا، وكذلك سيودع المبلغ نفسه، وبالتالي تعاد الثقة.

7 – إحداث قدر أفضل من المساواة ، فعلى سبيل المثال: الثري الذي يمتلك خمس سيارات بسعة 60 حصان يستفيد من دعم المحروقات بينما الفقير الذي يمتطي ” الافيكو ” يعطي من نصيبه للغني ، لكي يزداد الغنى غنى وينعم الفقير بفقره ، وقس على هذا في كل مجالات الدعم والاعتمادات التي لا يتسع المقال لذكرها “.

ثانياً : العيوب

1- الاعتراف أو تقبل السوق الموازية كأمر واقع “سوق الظل للعملة “، وإجبار الجميع على التعامل معه وتحمل هامش المضاربة.

2- ارتفاع سعر السلع والمحروقات التي كانت مدعومة.

3- مشكلة التحويلات المصرفية التي ستكون بعمليات مشبوهة لاستيراد السلع ؛ لأنه لن تتم عبر المصارف بسبب توقف الاعتمادات إلا إذا سمح بفتح حسابات بالعملة الصعبة وبهذا يشتري التجار العملة من السوق الموازية ويودعونها إلى حساباتهم وبعدها يستوردون السلعة بطريقة مشروعه.

فلهذا على حكومة الوفاق أن تغتنم الفرصة التاريخية وتقرر خطة مدروسة تلغي الدعم، وتيع العملة للمواطن مباشرة لمدة ثلاث سنوات، كي يعاد هيكلة الاقتصاد المحلي بعد الاستفتاء على الدستور والوصول إلى الانتخابات، وندخل مرحلة الاستقرار، فيها يبدأ تحسن الاقتصاد ويطوق الفساد والتمويلات المشبوهة.

ورغم هذا أدرك تمامًا أن هذا الخطة تحقق قدر أكبر من المساواة، لكن لن تصل لمرحلة العدالة الاجتماعية التي تقضي انفاق مورد الدولة  سواء الموارد الطبيعة  او الضرائب التي تجبى من الطبقة الغنية لكى يتم منحها للفقراء في صورة تعليم وصحة ليتم نقلهم  للطبقة الوسطى التي ينبغي ان تكون السواد الاعظم لأي مجتمع ينشد العدالة الاجتماعية .

هذه أفكار مطروحة للنقاش، ولكن خارج صندوق “تركة الجماهيرية”.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • صلاح الدين

    اتفق مع الكاتب في أغلب ما قاله, فإلغاء الدعم من الدولة مع إعطاء المواطن مقابل لرفع الدعم حل جيد لحل الكثير من المشاكل الإقتصادية في البلاد, رغم صعوبة تطبيقه والمشاكل التي ستحدث بداية تنفيذه
    لكن من ناحية أخرى, رفع الدعم سيؤثر أيضا على العمالة, وكما هو معروف فـ ليبيا معروفة بوجود هذه الفئة ومن الصعب جدا التخلص منها بسرعة لقلة عدد السكان مقارنة بالوظائف التي ستصبح شاغرة من دونهم, إضافة لعدم أو ضعف كفاءة البديل المحلي وارتفاع سعره في بعض الأحيان
    يجب أخذ هذا الأمر بالاعتبار في حالة تطبيق قانون كهذا
    كما توجد أمور أخرى متعلقة ولكنها أقرب إلى التفاصيل -كربط استهلاك المحروقات برخصة القيادة بدل الرقم الوطني- قد لا تحتاج الاهتمام من البداية بل بعد البدء في دراسة تطبيق هذا القانون.
    مشكلة واحدة حاليا: من هي الجهة التي ستتكفل بدراسة هذا المقترح؟!

  • صبحي زيد

    لأعتقد إمكانية تطبيق هكذا طرح-وللأمانة حدثني به كثر منذ توزيع مخصصات النقد الأجنبي للأغراض الشخصية وفق الرقم الوطني- لعديد الأسباب ، ولعل أولها استحالة التنفيذ للجميع في وقت واحد أو حتى في فترة وجيزة ومتقاربة، والأمر يتعلق بمخصصات لاستيراد السلع والادوية والخدمات!!!
    والشاهد تمديد المركزي لمخصصات 400 دولار إلى ما بعد نهاية 2017، فمن منا يستطيع أن يؤجل مستلزمات الغذاء والدواء وغيرها من ضرورياته المعيشية إلي أن يصل دوره في استلم حصته من هذه المخصصات بالعمله الصعبه؟؟
    وثا نيها أن عمليات الاستيراد والتصدير تتم عن طريق نظم واجراءات مصرفية ذات صبغة عالمية موحدة في اطار علاقة تجارية بين تاجر او شركة مصدرة وأخرى مستوردة ولكل منهما مصرف هما الضامن لتمام الصفقة وفق القواعد التى تم الاتفاق على تمام العملية بموجبها.
    وفي كل الاحوال الاموال التى تدفع لابد أن تكون عن طريق المؤسسات المالية التى تحكمها نظم واجراءات دقيقة وفق موجبات نظام مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب، فزمن الدفع الكاش قد ولى، ويعتبر بحد ذاته شبهه
    و ثالثها أن هذا الطرح هو ذاته هرطقات جماهيرية الأقتصاد، حيث تغيب الدولة و بشكل كامل، فلا موازنة استيرادية، ولا قوانين حماية مستهلك، ولا حماية وتشجيع الانتاج المحلي..الخ
    وهذا نذر يسير من المآخذ، والسؤال ما الحل؟
    الحل من وجهة نظر الخبراء تم رسمه في خارطة طريقة واضحة أطلقوا عليها اسم ( برنامج الإصلاح الاقتصادي) هذا البرنامج به حزمة من الاجراءات المتكاملة على مستوي السياسات النقدية ( كتعديل سعر الصرف) والاجراءات المالية و الاقتصادية وهي عديدة منها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء واعادة النظر في المرتبات والضرائب والتعريفة الجمركية وغيرها.
    ولأن هذه الاجراءات فعلا تحتاج إلى دعم سياسي والمقصود هنا حكومة موحدة مدركة وقوية وبرلمان وطني ومؤسسات موحدة ومهنية؛ وحتى يتحقق ما هو من الابجديات في الدعم السياسي والتي لا تتعدي حكومة واحدة وبرلمان نافذ القوانين والقرارات ومؤسسات موحدة، أري شخصيا أن الحل هو التعويم ولا سواه.
    بمعني بيع العملة الصعبة من البنك المركزي لجميع البنوك وشركات الصرافة بنفس سعرها في السوق الموازي ( -) ناقص 5 أو 10 او ربع دينار على الاكثر، والتحرك نزولا وصعودا مع السوق الموازي وفق هامش الفرق هذا.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً