حلول مقترحة لمعالجة احتكار الوكالات التجارية للسلع الضرورية للمواطن

حلول مقترحة لمعالجة احتكار الوكالات التجارية للسلع الضرورية للمواطن

تمر بلادنا بظروف طارئة من الجوانب السياسية والاقتصادية أثرت سلبا على الأسعار وعلى المنافسة ، فظهرت بعض الوكالات التجارية الحصرية التي استأسدت على أقوات الناس، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والدواء وضيق هذا الأمر على المواطن، فبدل أن يكون للاقتصاد الخاص دور في التنمية وتحقيق النتائج المرتقبة في التحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق الحر، أصبح القطاع الخاص محتكرا على السلع ومتحججا بارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية بالرغم من تحصل معظم شركات القطاع الخاص على اعتمادات مستندية، فكان لزاما من تدخل الجهات الرقابية والتنفيذية والتشريعية في  حركة السوق وحظر الممارسات المقيدة للمنافسة.

حيث أن الواقع أثبت صعوبة تحقق المنافسة الكاملة، بل قد تؤدي المنافسة الحرة إلى الاحتكار في بعض الأحيان فقد يتفوق تاجر معين على منافسيه بما يمنحه وضعاً احتكارياً في السوق التنافسية، كما قد يكون الاحتكار أمراً لا مفر منه كما في حالة الاحتكار القانوني؛ ومن ثم فإن غياب قواعد واضحة لضبط الممارسات الاحتكارية الضارة بالمنافسة وبالمستهلكين وبالاقتصاد القومي بشكل عام، يؤدي إلى فوضى التحكم في السوق وانفلات الأسعار.

وينتج الاحتكار عن ضعف الوازع الديني والأخلاقي عند التجار، فهؤلاء يضعف لديهم الشعور برقابة المولى -عز وجل – مما يؤدي بالإنسان إلى القيام بتصرفات لا يراعي فيها الحلال من الحرام.

ومما زاد الأمر سوءًا غياب الواقع التطبيقي الاقتصادي في الإسلام؛ نتيجة لغياب سلطان الله في الأرض المتمثل بدولة الإسلام التي تطبق شرع الله وتحكم بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ([1])، فشرعنا حرم الاحتكار، ولأجل علاج الاحتكار في الوكالة التجارية يجب أن ينمى الوازع الديني عند الناس، ويبين الحكم الشرعي لهذا النوع من التعامل الحرام، ويضرب على يد المحتكر من قبل الدولة بعدم السماح باحتكار حاجات الناس الضرورية من سلع وخدمات.

فيمكن للدولة القيام بحزمة من الإجراءات التي تمنع الاحتكار الذ ي يقع في الوكالات التجارية وهي كما يأتي:

أولا: عدم السماح للقطاع الخاص بتملك حاجات الناس الضرورية:

حرص المشرع الليبي على معالجة هذا الأمر فحظر على القطاع الخاص تملك واحتكار حاجات الناس الضرورية من سلع وخدمات أساسية، ولأجل هذا أنشئ صندوق موازنة الأسعار والذي يتبعه عدد من الجمعيات الاستهلاكية تقوم بإيصال السلع الأساسية للمواطن بأسعار مدعومة من الدولة مباشرة.

وفي الواقع المقارن نرى أن بعض الدول تقوم بمنح امتيازات للقطاع الخاص بما يسمى “امتياز المرافق العامة” أو نحو “الاحتكار الطبيعي”(، من خلال طريقتين:

الأولى: في أمريكا: حيث تمنح الدولة احتكار المرافق العامة لشركة خاصة، ولكنها لا تترك هذه الشركة تحدد أسعارها كما تشاء، بل تقيدها من حيث السعر ونوع الخدمات.

الثانية: في الدول الأوروبية: حيث تملك الدولة هذه المرافق وتقوم بتقديم خدماتها للجمهور بأسعار مناسبة.

وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منع احتكار سلعة الملح ([2])، ومن حادثة الملح على عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتبين أن الدولة متمثلة في شخص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم تترك هذه الضرورة في يد شخص واحد؛ كيلا يتحكم في حاجات الناس الضرورية، ولذلك يجب أن تتدخل الدولة ولا تترك حاجا ت الناس الضرورية في أيدي التجار الذين أعماهم الطمع والجشع في سبيل تحقق غاياتهم ومكاسبهم المادية.

ثانيا: قيام الدولة بتحديد أشخاص اعتبارية معينة على سبيل الحصر لاستيراد السلع الأساسية: حيث نصت المادة (456) من القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري على أنه ” يجوز للجنة الشعبية العامة قصر مزاولة أعمال الوكالة التجارية والوساطة في السلع والخدمات ذات الطبيعة الخاصة أو الاستراتيجية على بعض الأشخاص الاعتبارية بناء على عرض من الجهة المختصة”، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال لمثل هذه الأشخاص الاعتبارية احتكار أي سلع أو خدمات نظرا لأن الدولة ستضع ضوابط ومعايير خاصة.

وقد فصل قرار اللجنة الشعبية العامة سابقا رقم 1339 لسنة 1981 في تسمية الشركات التي يقتصر عليها استيراد السلع والبضائع، وهي عبارة عن مؤسسات وشركات عامة، أنيطت بها مسؤولية الاستيراد بحسب تخصصها، كما هو الحال مثلا في الشركة العامة للألبان والتي لها استيراد الألبان والزبدة، والشركة الوطنية للأدوية، والشركة العامة للقرطاسية والشركة العربية الليبية للأثاث وغيرها..

ثانيًا: البيع على المحتكر في الوكالة التجارية:

من أساليب منع الاحتكار في الوكالات التجارية أسلوب البيع على المحَتكر، وهذا الأمر جائز شرعا وقانونا، حيث إنه يحق “لولي الأمر أن يكره المحتكر على بيع ما عنده بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل،

ولهذا قال الفقهاء: “من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره، لم يستحق إلا سعره”(  ([3]) .

لذلك يجبر المحتكر على بيع ما فضل عن قوته وقوت عياله ([4])  ، فيقال له: بع كما يبيع

الناس وبزيادة يتغابن في مثلها، ولا يتركه القاضي يبيع بأكثر من ذلك.

ولقد حسم المشرع الليبي هذا الأمر في نص المادة (1284) التي أعطت للجهة المختصة أن تحدد أسعار السلع والخدمات التي تراها ضرورية ولازمة منعا للاحتكار وحماية للمستهلك.

ثالثًا: اتخاذ الدولة للاحتياط اللازم من السلع الضرورية:

يقصد بهذا أن تقوم الدولة بالاعتناء بمواطنيها، وسد حاجاتهم وقت الضيق، حيث أنها تتبنى سياسات اقتصادية ناجحة، تقوم على الاقتصاد والتوفير والتخزين الاحتياطي، حتى إذا ما قل العرض وكثر الطلب وظهرت بوادر أزمات غذائية، ألقت الدولة بعضًا من الاحتياطي لديها شيئًا فشيئا حتى تتخطى البلاد تلك الأزمة.

ونجد في الشريعة لهذا مستمسكا حيث يقول ابن العربي([5])   وكان الخليفة ببغداد إذا غلا السعر أمر بفتح مخازنه وأن يباع بأقل مما يبيع الناس حتى يرجع الناس إلى ما رسم من الثمن، ثم يأمر أن يباع بأقل من ذلك حتى يرجع السعر إلى أوله أو إلى القدر الذي يصلح بالناس”(   ([6]).

رابعًا: مقاطعة المحتكر في الوكالة التجارية: وفي هذه الحالة على الدولة أن تقوم باستيراد البدائل خصوصا لو كانت البدائل أشياء ضرورية للناس.

خامسًا: التسعير على الوكيل التجاري المحتكر: ويمكن هذا الأمر في حال أن يكون هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ عامةٌ أو خاصةٌ متعينة بمتعّلق الوكالة التجارية، والوكيلُ ممتنع عن بيعه إلا بغبن فاحش أو بشروط جائرة، ففي هذه الحال يجب على الدولة أن تتدخل لرفع الظلم عن المحتاجين إليه بطريق التسعير الجبري على الوكيل.

ولتحقيق وجب الالتزام بالآتي:

  1. ضرورة أن تتحمل وزارة الاقتصاد مسؤولياتها المنوطة بها في القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري وخصوصا فيما يتعلق بحظر الاحتكار ومنعه، وحماية حقوق المستهلك.
  2. أن يقوم مجلس الوزراء باتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة الغلاء واحتكار السلع وجشع التجار بتسعير وحظر احتكار السلع الأساسية وحظر مظاهر السيطرة.
  3.  استحداث مجلس المنافسة الذي نص عليه قانون النشاط التجاري.
  4. إصدار اللوائح التنفيذية المتعلقة بتفعيل القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري.
  5. إعادة تنظيم قانون الوكالة التجارية الحصرية بشكل أدق حتى يتم مواجهة الظروف الحالية والطارئة.
  6. عدم السماح للقطاع الخاص بتملك حاجات الناس الضرورية وامتلاك الدولة لها ثم بذلها بالسعر المناسب.
  7. التركيز على الجانب الوقائي ونشر الوازع الديني للحذير من خطورة الاحتكار في الدنيا والآخرة.

[su_divider top=”no” size=”1″]

[1] – د. أشرف رسمي أنيس ، الوكالة التجارية الحصرية في الفقه الإسلامي والقانون، رسالة دكتوراه، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2012 .

[2] – أن هذا كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان في قضية الملح، حيث وفد عليه الصحابي أبي ضب ن حمال “فاستقطعه الملح، فقطع له، فلما أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له ؟ إنما  قطعت له الماء العد، قال: فاتنزعه منه“(، ووجه الدلالة من الحديث:   أن الملح الذي قطعت له هو كالماء العد في حصوله من غير عمل وكد، فانتزع) أي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك الملح (منه) أي من أبيض ) .

انظر : العظيم آبادي، محمد اشرف ، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ط 2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 ه ، .221

[3] – ابن تيمية, أحمد: الحسبة, ط 2، تحقيق: علي بن نايف الشحود، الموسوعة الشاملة، 2007 م،1 .241 ,240/

[4] – انظر: الكاساني, بدائع الصنائع، 5/124

الحطاب: مواهب الجليل، 6/12 ، الزرعي،محمد بن أبي بكر (أ) يو ب، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: تحقيق: د. محمد جميل غازي، القاهرة: مطبعة المدني، 354 .

[5] –  ابن العربي: هو الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي الأندلسي الاشبيلي المالكي،  ولد  سنة ثمان وستين وأربع مائة، له المحصول في الأصول و تفسير القرآن الكريم وكتاب الأصناف في الفقه وصنف وبرع في الأدب والبلاغة وكان متبحرًا في العلم ثابت الذهن عذب العبارة كريم الشمائل كثير الأموال. انظر: الذهبي: سير أعلام ، 20/203 .

[6] – الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: مجلة البحوث الإسلامية،6/85 .

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • العابر_2017

    السيد الكريم كاتب المقال جزاك الله عنا كل خير لقد اجزت فوفقت الى الخير ويجب على الحكومة ورجالات الدولة الغيورين عليها وعلى المواطن البسيط راقد الريح ان يستمعوا الى القول ويتبعون احسنه كما اطالب الدولة فى هذه الفترة العصيبه ان تتخد قرارات مصيريه من اجل البسطاء بان تقوم بالغاء العملة فورا وان تصادر كل اموال التجار “بل هم الفجار المرابين” الا من رحم ربي وان تقيد اموالهم فى سجلات تردها عليهم عندما تتحسن الاحوال وان تصادر كل المنتجات الغذائيه من المرابين وتبسطها للمواطن البسيط الذى اصبح يحلم بقطعة الجبن ولحم الخروف والخضراوات الطازجة مثل الطماطم والفلفل الحار الذى اصبح يكوي جيب البسطاء قبل ان يكوي شفاههم وان تتخد قرارا بمحاربة كل المهربين بتدمير كل من يحاول تهريب اي شي بقوات خاصه من سلاح الجو والبحريه وكتائب الشرفاء وان تسحقه هو والمهربات حتى يكونو عبره لمن يعتبر ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ( 37 ) وان تسحب رخص مزاولة التجاره من كل الفاسدين الذين يثبت عليهم الجرم وان ينفذ فيهم القصاص امام الناس وعلى رؤوس الاشهاد .

  • العابر_2017

    لاتعليق فلتحيا دولة الحقراء

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً