حُمَى العَزل السيّاسي في دول “الربيع العربي”

حُمَى العَزل السيّاسي في دول “الربيع العربي”

السؤال الذي يطرح نفسه: هل الشعب العربي يريد عودة من يوصفون بـ (الفلول) في مصر و (الأزلام) في ليبيا و (بقايا النظام أو التجمعيين) في تونس؟ سواء كانت الاجابة بـ (نعم) أو (لا). فإنه من المفترض أن يكون الحسم عبر القنوات الديمقراطية أي لـ (صناديق الاقتراع). وليس بإختلاق قوانين اقصائية وانتقائية يفصلها الحزب الحاكم على مقاسه…!

ما من تفسير لإنتشار هذه الحُمى “الإقصائية” إلا كونها جزء من استراتيجية اطالة عمر الفوضى والانقسام والإقتتال الداخلي في الدول التي اجتاحها تسونامي التغيير، بدءاً من العراق – وليس من تونس- وحتى آخر معاقل الاستبداد العربي. ليتبدل شكل الحكام من عصابة قديمة تستأثر بالحكم وثروات البلاد إلى عصابة جديدة أخرى ترث ما خلَّفه سلفهم، إنهما تختلفان شكلاً -ربما- في اللحية وتقصير الثوب ومتطابقتان مضموناً، في فرض نظام شمولي اقصائي.

لا فرق سوى أن سجّان الأمس قد أصبح سجين وطريد الحاضر والتائهون في أوروبا وأمريكا والقابعون في سجون الأمس قد أصبحوا هم أصحاب السلطة اليوم ولا شيء في أذهان الحكام الجدد وما من مشروع يطفو على السطح سوى خوض رحلة الإنتقام وتصفية الحساب الأبدية مع الديكتاتوريات القديمة وكل مايمت لها بصلة. والشعب على دكة الاحتياط ينتظر الحسم.

الطبيعي هو أن يتم اللجوء للقضاء لاسترداد الحقوق والمظالم ومحاسبة كل من ارتكب جرماً بحق الوطن والعباد. وعن طريق القضاء العادل والنزيه وحده يتم استبعاد كل من أجرم تلقائياً، وبدون كل هذا الجدل العقيم. فلا أحد سيدافع عمن ارتكب جرماً اياً كان.

ولأنه من أبسط ابجديات حقوق الإنسان، ليس لأحد الحق في أن يقوم بإقصاء أي مواطن بسبب عرقه أو لونه أو توجهه السياسي والايديولوجي ومعتقداته وآرائه الخاصة. وليس لأحد الحق في حرمانه من حقوق المواطنة وممارسة حقوقه السياسية، عن طريق صندوق الإقتراع.

فإن انتشار حمى ما يسمى “العزل السياسي” في دول الربيع العربي تكشف حقيقة أن هذه الدول في طور الانتقال من نظام شمولي إلى نظام شمولي آخر و ربما أشد عنفاً وديكتاتورية وتفرداً بالحكم مما سبقه. وبداهة طالما أن الشعوب هي من أسقطت تلك الأنظمة “الفاسدة” فما مبرر كل هذا الرعب من صناديق الإقتراع؟؟

ثم هل يعقل بأن الشعوب التي “ثارت” وفقدت عشرات الآلاف من الضحايا من أجل اسقاط تلك الأنظمة أن تعيد انتخابها من جديد؟ ولو حدث وفعلت الشعوب ذلك فهذا حقها الديمقراطي وهذا شأنهم …! طالما أن ما يسمى بـ “الربيع العربي” من أسمى أهدافه المُعلنَة هو تحقيق الديمقراطية والإحتكام إلى “صناديق الإقتراع”.

لا ينبغي السماح بإستغفال الشعوب أكثر من ذلك، وانه من الحماقة أن تتكرر مأساة العراق وفلسطين ولبنان وأن تصبح كل البلدان العربية مرتعاً للفوضى والإنقسام والاقتتال الداخلي وينبغي أن يؤخذ تهديد قبائل محافظات الصعيد المصري بالحرب الأهلية نتيجة لما وصفوه بأن قانون العزل هو قانون انتقامي وتصفية حسابات..! وينبغي أن لا نسهم بإتساع الهوة أكثر بين مكونات المجتمع الليبي المهدد بالإنقسام جغرافياً وليس سياسياً فحسب.

نعتقد بأن الشعوب العربية في غنى عن خوض مزيد من الحروب الداخلية الممنهجة والمنظمة. وعلى حماعة الإخوان المهيمنين على المشهد السياسي في دول الربيع العربي أن لا يستبقوا نتائج صناديق الإقتراع وعليهم ألا يسلكوا مسلك أسلافهم الطغاة لتكرار تجربة الحزب الوطني والتجمعيين واللجان الثورية.

ويجب أن يكون القضاء هو الفيصل لكل من ارتكب جرماً أو نهب وسرق … وحُكم القضاء النزيه والعادل كفيل بحماية الثورات وحماية الشعوب إن كانت هذه “الشعارات” صادقة ولم تكن كلمة حق أريد بها باطل.

كفانا اقتتال وانقسام وزرعاً للفتن والصراعات الداخلية وليكن الجدل حول مشاريع البناء والإعمار وليس مشاريع العزل والإقصاء وتصفية الحسابات … والتي مهما حاولوا تزيينها فإنها تكرار حرفي لسيناريو اجتاث البعث الذي أطلقه الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي حوّل العراق إلى جحيم مستعر إلى يوم يبعثون.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً