إلى الجفرة… مع التحية

إلى الجفرة… مع التحية

تقع منطقة الجفرة في وسط ليبيا،  متميزة بموقع جغرافي إستراتيجي، فهي مساحة جغرافية منبسطة، تحميها طبيعياً سلاسل جبال السوداء والهروج من الغرب والجنوب، والرّوّاغة من الشمال والشرق، وتقفل هذه الحلقة المنيعة رملة ودان بسيوفها المرتفعة  شمالاً، والجفرة  تتوسط تقريباً المسافة  بين طرابلس غرباً (600 كلم) وبنغازي شرقاً (850 كلم)، كما هي كذلك بين سبها جنوباً (330 كلم) ومصراته شمالاً (400 كلم).

وهي بعيدة عن البحر بمسافة كافية  (240 كلم جنوب  شواطيء خليج سرت) والذي يعتبر مصدر  الخطر  الاول الذي من الصعب توقع ما يأتي منه، فهوعبر التاريخ  من جلب الاعداء إلى ليبيا، من الرومان إلى الأسبان، وفرسان القديس يوحنا، والمستعمر الايطالي البغيض، إلى الغارات الامريكية في ربيع 1986، وآخرها غارات حلف الناتو سنة 2011 التي كانت تأتي من البحر لتضرب بسهولة عاصمة ليبيا الحالية طرابلس،و مدننا الساحلية  ثم تختفي في لمح البصر.

لهذا السبب غير الاتراك عاصمتهم من أسطنبول إلى أنقرة، والايرانيون أوجدوا عاصمتهم طهران بعيداً عن سواحل الخليج العربي المفتوحة والتي تجوبها اليوم أساطيل أعدائهم، إذ أنه من البحر يأتي دائماً الخطر.

عرف الايطاليون  أبان أستعمارهم البغيض لبلادنا هذا الامر وأستفادوا منه، بجعل مدينة هون، وهي اليوم عاصمة المنطقة وأكبر مدنها، العاصمة الادارية لأقليم جنوب ليبيا العسكري (Territorio Militari Del Sud) ومركزاً لقيادة القوات الايطالية لكامل جنوب ليبيا تحت مسمى (Comanda Sahara Libica) أي مركز قيادة الصحراء الليبية، كما بنوا فيها مطاراً عسكرياً  كان يعمل إلى وقت قريب، ومعسكراً كبيراً للجيش ألايطالي، تم الاستفادة من مبانيه  لاحقاً  أبان العهد الملكي،  في إنشاء أول لتعبئة و تصنيع التمور في ليبيا.

كما أدرك العقيد  معمر القذافي، حاكم ليبيا السابق  هذه الحقيقة، فسعى بكل جهده لتحويل مدينة  هون إلى عاصمة لليبيا كلها و أعلن ذلك بصفة رسمية سنة 1989، وقد بني بالقرب منها قاعدة عسكرية كبيرة بمدرج طائرات يزيد طوله على 4000 متر، ومعسكرات للجيش ومخازن للذخيرة، وأنشاء مجموعة من المباني الادارية الضخمة والاف المساكن الحديثة، لتستوعب حلمه في أنشاء عاصمة حديثة وجديدة  لليبيا بعيداً عن أعدائها  ومكائدهم، كما كانت مقراً لقيادة  الجيش الليبي، ما كان حينها يعرف بالشعب المسلح، منذ ذلك الوقت وحتى سقوط النظام في خريف 2011.

يتوزع سكان الجفرة على خمسة مدن هي هون وسوكنة وودان و زلة والفقهة، ويتميزون بكرمهم وحبهم للضيافة وطابعهم المتمدن وبعدهم عن العنف، الذي جعل منطقتهم بكاملها واحة أمن وأمان نسبي، وسط رمال ليبيا المتحركة.

وإن كان  أكثر ما تشتهر به المنطقة هو تمورها الجيدة والمتنوعة، فهي أيضاً تشهد وبإستمرار حركة ثقافية وفنية متميزة، تظهر في مهرجان الخريف بهون والذي لم يتوقف منذ تأسيسه سنه 1996، والذي سيكون  تاريخ إنعقاد دورة التاسعة عشر، من 29 إلى31 أكتوبر من هذا العام، كذلك يُعقد في مدينة زلة مهرجان للشعر الشعبي يحضره الكثير من الشعراء من جميع أرجاء ليبيا، وغير ذلك من نشاط مسرحي وندوات علمية ومؤتمرات عديدة تم عقدها بها، وبها فرع من جامعة سرت به العديد من الكليات العلمية والادبية، كذلك يوجد بها كوادر علمية وفنية جيدة وقادرة على العطاء.

تتهدد منطقة الجفرة اليوم الاخطار، إذ أنها موقع إستراتيجي يسعى الكثيرين للإستيلاء عليه، إذ تحيط بها كماشة تنظيم الدولة الاسلامية المتمركزون شمالا في سرت، والذين بدأوا يظهرون ويقيمون بوابات التفتيش والاعتقال على الطريق الرابط بين الجفرة ومصراته، عبر أبوقرين، وقد قاموا مؤخراً بذبح أحد أفراد الشرطة المنتمي إلى مدينة هون، لا لسبب سوى لأنه رجل شرطة، كما أستولوا على مجموعة شاحنات مملوءة بالوقود كانت متجهة من مصراته إلى الجفرة وسبها، مما أوضح هشاشة الوضع الامنى في المنطقة.

كذلك بدأ ظهور عصابات مسلحة من المهاجرين غير الشرعيين والذين يبسطون نفوذهم على جنوب المنطقة والذين قاموا مؤخراً بالسطو على سيارات المسافرين على الطريق المواصل بين ودان وزلة، والذي حدى بأهل المنطقة إلى توحيد صفوفهم و مطاردتهم وإسترجاع ما سُرق.

لو أن حكومة ليبيا التوافقية المرجو تشكلها قريباً تبحث عن مكان تأمن فيه على نفسها وتستطيع أن تباشر منه أعمالها، فلن تجد خيار لها أفضل من هذه المنطقة، فهي منطقة محمية طبيعياً، ولا تُحسب على أي من الاطراف المتصارعة، وبها مقرات إدارية جاهزة ومساكن يمكن توفيرها للقادمين الجدد، كذلك قاعدة عسكرية ومطار شبه جاهز للعمل، ومعسكرات ستستوعب قيادة الاركان الجديدة، ومراكز لتدريب الجنود وخلافه.

وبالتأكيد سيعود ذلك بالفائدة على المنطقة وأهلها، أهمها حمايتها من الطامعين الذين ذكرتهم آنفاً، وخلق فرص عمل لأبنائها وأسواق لمنتجات المنطقة، ستنعش الدورة الاقتصادية بها، وغير ذلك كثير.

فهل من مُستمع؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً