من الصخيرات إلى الحمّامات والنفخ في جُثث الأموات

من الصخيرات إلى الحمّامات والنفخ في جُثث الأموات

خرج يوم أمس بيان من “حمّامات تونس”، أتى ليُعِّبر عن مُخرجات لقاء ضم لجنة الحوار السياسي الليبي، أستمر لمدة ثلاثة أيام، من المفترض أنه ختام لعدة لقاءات تشاورية سبقته، أتت لحلحلة الأزمة الليبية (على حد تعبير البيان)، والذي غاب عنه ممثلي مجلس النواب الذي لم يحسم أمره في تقرير تشكيلة الوفد المُمثل له.

من القراءة الأولى للنقاط الستة التي توصل إليها المجتمعون، يتضح لك عدم وجود جديد فيها، وأنها مجرد تدوير للمشكلة وليس حلاً لها، قد يكون هذا ما قصده المجتمعون، وهو: تحريك للأزمة من مكانها، لربما بهدف إضاعة الوقت، أو شراءه، وفقاً لغرض أو مصلحة تخدم الاطراف المتخاصمة كلاً على حِدة، لربما منها محاولة إيقاف الجيش الليبي وتحجيم دوره، والذي بات يتقدم حالياً وعلى جميع المستويات.

حيث نصت المادة الاولى على تشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أشخاص متساويي الصلاحية ،  يتم اتخاذ القرارات بينهم بالتوافق ، (وهو مبدأ أثبت فشله في المجلس الحالي) ، و يقترح في مادته الثالثة أن يتولى منصب القائد الأعلى للجيش مجلس آخر بأعضاء مختلفين، أحدهم من المجلس الرئاسي، والآخر من مجلس النواب و الثالث من مجلس الدولة، مما يعد تكراراً لفكرة المجلس الرئاسي الحالي، بل إضافة لذلك فهو يقسمه إلى  مجلسان  ليكون إجمالي عدد من سيتولون صلاحية المجلس الرئاسي الحالي إلى  ستة أشخاص ، كما يشترط البيان  نفس الشرط وهو أن تكون قراراتهم بالتوافق مجتمعين، مما سيزيد الامور صعوبة، إذ أن أي قرار سيتخذ بخصوص قيادة الجيش لا يستطيع عضو مجلس رئاسة الجيش اتخاذه إلا بمشورة زميليه في المجلس الرئاسي القادم ،ما يدخلنا في دوامة الاخذ والرد التي عانى منها المجلس الرئاسي الحالي.

كما نص البيان في مادته الثانية على تشكيل مجلس وزراء يرأسه شخص من خارج المجلس الرئاسي، يتولى المهام التنفيذية التي كانت مناطة بالمجلس الرئاسي السابق، مما يفرغ المجلس الرئاسي من مضمونه، وأن ما تبقى منه (الثلاثة أعضاء) لم تبقى لهم صلاحيات تذكر، فلماذا وجوده أصلاً!؟

الغريب في الأمر أن مُصدري البيان يشترطون في ختامه، اعتماد مجلس النواب للحكومة قبل التوقيع على هذه التعديلات، ولم ينص على من سيُقدم هذه الحكومة؟! فهل سيقدمها المجلس الرئاسي الحالي أم القادم والذي لا يملك أن يقترحها قبل اعتماده هو نفسه والذي لن يكون إلا باعتماد مجلس النواب الذي لن يكون لأن البيان يشترط عليه عدم ذلك.

هل فهمتوا شي!؟

يندرج ما ذكرت تحت إطار تخبُّط مُتصدري المشهد، وفشلهم في إيجاد حل حقيقي وجذري للأزمة، وتهربهم من اللجوء إلى الحل الديمقراطي المُتمثل في إجراء انتخابات رئاسية ونيابية عاجلة، تجلُب وجوه جديدة أكثر وطنية وشجاعة وكفاءة منهم، لحل الازمة الليبية، وليس مجرد حلحلتها.

من جانب آخر و على أرض الواقع، يستمر الجيش الليبي في كسب ما لم يستطع المجلس الرئاسي الحصول عليه، ألا وهو التأييد الشعبي بصفة عامة، والناتج عن بسط سيطرته على مساحة واسعة من أراضي الدولة وفرض الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً فيها، كما نجح في جذب الاهتمام الدولي للإنجازات التي حققها على الارض، مما جعله طرف قوي يقُر الجميع بضرورة إشراكه في أي حل مقترح،  يحدث كل هذا بينما يستمر المجلس الرئاسي في تمسُّكه بالسلطة ومحاولة الاستفادة من الوقت وبأقصى قدر ممكن، خاصة بعد إحساسه بدنو أجله، ذلك بحصوله مؤخراً على عدة مليارات من المصرف المركزي سيقوم بصرفها على هواه، وبطريقة أقل ما يمكن القول عنها بأنها: غير قانونية.

يبدو أن قيادة الجيش تعي جيداً مدى الضعف والارتباك الذي يعاني منه السياسيون مما يصب جميعاً في صالحها من حيث إمكانية توسيع مناطق سيطرة الجيش، خاصة في الجنوب الليبي المُتخم بالنفط، والذي لو نجح في ذلك، فسيكون تحت سيطرته معظم منابع النفط في البلاد، بالإضافة إلى موانئ تصديره، ما يجعله في موقف تفاوضي جيد لاحقاً، سواء مع الاطراف المحلية أو الدولية، والحديث عن إمكانية تسلُّم قيادته للسلطة ولو لفترة مؤقتة، يتم فيها ترتيب البيت الداخلي الليبي وإعادة فرض الامن وهيبة الدولة، وتحقيق سيادتها على أراضيها، وبعد ذلك لكل حادث حديث، هذا الذي قد يتحول تدريجياً إلى مطلب شعبي بدأت ملامحه تلوح في الافق.

لن تُحسِّن مقترحات لقاء “الحمّامات”، كثيراً في المشهد السياسي الليبي، وأشك في أن يعتمدها مجلس النواب، لبنائها المعتمد على انعدام الثقة، ولتعقُّدها وبعدها عن الواقعية، والتي سينتج عنها خلق المزيد الاجسام السياسية المتداخلة الصلاحيات، والتي قد نشهد صراعها لاحقاً، مما سيزيد الامور تعقيداً.

يحضر أمامي و أنا أكتب هذه الاسطر، كلمات السيد كوبلر (الذي غاب عن لقاء الحمّامات)، والتي قالها في نهاية العام المنصرم: “بأن أزمة ليبيـا تحتاج إلى أجيال لحلّها”، وإن كنت أكثر تفاؤلاً، ولا أوافق الرجل في ما قاله، إلا أنه يضل احتمال وارد لا يمكننا إغفاله، خاصة في ظل ما نراه اليوم من جمود في التفكير وضعف في الأداء وسوء في تقدير الأمور، يدفع ثمنه المواطن الليبي الذي يعاني من كل شيء، ولا أريد أن أزيد قولاً أكثر من هذا.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً