“صوفيا” الوجه الآخر للغرب

“صوفيا” الوجه الآخر للغرب

يتقاطر هذه الايام على العاصمة طرابلس العديد من الشخصيات الاوروبية الهامة من وزراء خارجية ، وسفراء معتمدين ، و كلهم يُظهر الدعم و التأييد الكامل لحكومة التوافق ،،، فما هي الاسباب الاخرى غير المعلنة الكامنة وراء تلك الزيارات ؟

بعد اتضاح أن غاية الغرب من أن تدخله في ليبيـا سنة 2011 ، كانت بالدرجة الأولى هي التخلُّص من نظام ليبيـا السابق القوي و العنيـد ، و ليس من أجل حماية الشعب الليبي ، الذي تُرك يواجه مصيره وحده بعد ذلك ، فإن إهتمام الغرب بليبيــا اليوم ، يتلخص بالأساس في أربعة أشياء رئيسية وهي :
منع الهجرة غير الشرعية و محاربة التنظيمات المتطرفة و استمرار تدفق النفط الليبي الرخيص والعالي الجودة ، والاستفادة بأكبر قدر ممكن من الاموال الليبية المجمدة لديها والذي عبّر عنه السيد وزير خارجية بريطانيا في حديثه عن مدى تعقيد الإجراءات القانونية و صعوبة الافراج عن تلك الاموال .

بالعودة للحديث عن موضوع الهجرة ، فمع بداية موسم الصيف وهدوء أمواج البحر الابيض المتوسط ، تبدو الفرصة سانحة لتدفق مئات الآلاف من اللاجئين عبر بوابة ليبيـا المفتوحة على مصراعيها ، نحو أوروبا المنهكة من جرّاء أوضاعها الاقتصادية المتردية ، و الخائفة من زيادة و تيرة العمليات الارهابية ضدها ، خاصةً بعد نجاح الاتحاد الاوروبي في الضغط على تركيا و اليونان لإقفال حدودهما في وجه المهاجرين ، الباحثين عن ملجإٍ آمن من الحرب الدائرة في أوطانهم و التي تشارك فيها دول أوروبية عديدة ، مما يجعل ليبيا الوجهة و المُنطلق لهم بإتجاه أوروبا .

تسعى دول الاتحاد الاوروبي و بالاتفاق مع حلف الناتو إلى تفعيل الجزء الثاني من خطة “صوفيا” ، لمحاربة الهجرة الغير الشرعية ، وذلك بنشر قطع من أساطيل حلف الناتو داخل المياه الاقليمية الليبية ، لاحتجاز المهاجرين قبل دخولهم المياه الدولية ، ( و التي حتى إن وصولوها فربما سيتم الادعاء بأنهم لم يصلوها ) ، وبذلك يمكنهم إعادتهم مرة أخرى إلي ليبيـا ، والتخلص من مأزق إستقبالهم كحالات إنسانية في أوروبا ، والتي وصلها العام الماضي ما يزيد عن مليون و ثلاثمائة ألف منهم ، جزء مهم من هذا العدد ” حوالى 300 ألف لاجيء ” كان عبر ليبيــا .

بالإضافة إلى أن تمركز قطع أساطيل حلف الناتو داخل المياه الليبيـة والتي هي جزء لا يتجزأ من سيادتها ، يعد إحتلالاً لها ، و إن حدث هذا ، فمن أهم نتائجه تحوُّل ليبيـا إلى سجن أفريقي كبير يعُج بالملايين من أبناء القارة السمراء و غيرهم ، والذي لا يهم أوروبا كثيراً حدوث هذا الامر مادام خارج أراضيها ، وحُجَّة بعض الساسة في ذلك ، بأن ليبيا دولة واسعة و غنية وعدد سكانها قليل و بإمكانها استيعاب هؤلاء المهاجرين الجدد ، حتى وإن أدى ذلك إلى ضياع الهوية الوطنية الليبية و تغير ديموغرافية السكان بالكامل .

كما سيؤدي هذا الاجراء إلى الاضرار بحركة الملاحة البحرية من و إلى ليبيـا و إلي إبعاد الصيادين الليبيين عن مناطق صيدهم بحجة حماية هذه القطع من أي إعتداء بحري مُحتمل .

يحمل معظم من زار ليبيا من ساسة الغرب و آخرهم وزير الخارجية البريطاني، لها هذا الطلب : ( تمركز قطع أساطيل الناتو داخل المياه الليبية ، من أجل إحتجاز و إعادة المهاجرين إليها ) ويقدمه بطريقة أو بأخرى ، ويضغطون في ذلك بشدة على حكومة المجلس الرئاسي الهشة ، و القليلة الخبرة سياسياً ، والتي يُلمح الغرب إلى إمكانية إعتمادها كحكومة أمر واقع و بدون دعم مجلس النواب لها ، مما سيجعلها تخسرهذا السند ، وستقف وحدها أمام ضغوطات الغرب القوية ، و الذي سيتسغل ضعفها أمامه لإنتزاع موافقتها على خطته المُضرة بليبيــا و التي ستحولها إلى دولة أخرى ، ليست بالسكان ولا بالهوية التي نعرفهما اليوم .

على الشعب الليبي أن يدرك خطورة الامر ، و على مجلس النواب و الحكومة المُقبلة أن يعملا معاً من أجل حماية ليبيـا و شعبها و تقديم مصلحتها على غيرها ، لا شك في أننا نحتاج للمساعدة و الدعم من المجتمع الدولي ، و لكن ليس على حساب هوية شعبنا ، و لا بتغيير معالم بلادنا ، ولا بانتقاص سيادتنا ، و أن كانت هناك مشكلة مهاجرين وهجرة ، فليس على ليبيا وحدها تحمل مسؤوليتها أو تبعاتها ، بل على جميع دول العالم المعنية بالأمر أن تفعل و تساهم في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة ، خاصة تلك الدول التي سببت في ظهورها و في تفاقمها .

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً