دخول الفردوس بقطع الرؤوس

دخول الفردوس بقطع الرؤوس

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

new-article1_27-11-2016

لم يألف الشعب الليبي في تاريخه الطويل أسلوب القتل غيلة، من اختطاف وتفخيخ وتفجير ولا هدم البيوت والممتلكات، ويعتبر ذلك مستهجنا ومن أفعال الضعفاء والمجرمين، وكانت المقارعة في ساحات الوغى وعلى رؤوس الأشهاد. بعد ثورة 17 فبراير انتشرت ظاهرة هدم المزارات ونبش القبور يدعم ذلك إذاعات موجهة لنشر الأفكار المتشددة وتعبئة الشباب للقيام بذلك، انزلق هذا العمل إلى إزهاق الأرواح بعد إعلان مسلسل الكرامة في الشرق الليبي الذي كانت حلقاته الأولى تفجير محلات الزينة، تلا ذلك تصفية الخطباء والمشائخ المعارضين لبرنامج الكرامة، للأسف خلال الستة سنوات الماضية لم يتصدى أحداً لهذا الفكر، وأخص بالذكر مشائخ المذهب المالكي الأكثر عددا وعدة، بل أن الإذاعات الموجهة تنعت كل معارضيهم بأنهم خوارج العصر يجب قتلهم واستباحة دمائهم. وعلى صعيد المظهر استطاعت هذه الإذاعات تحويل معظم الشباب والكهول بالمدن إلى تقليد المذهب الحنبلي في قبض اليدين عند الصلاة وفرجة القدمين وتقصير القميص ومنع القنوت وعدم صلاة السنة بالمسجد، واستعمال السواك صباح مساء، ناهيك عن الـتأفف من المهن والحرف والاتجاه إلى التجارة والمضاربة.

المتابع للخطاب الدعوي للمجموعات الجهادية المتشددة لا يحتاج إلى دليل بأنها المسئولة عن الكثير من الفوضى الأمنية في الكثير من المدن الليبية، وذلك لسببين إثنين؛ أولاهما أن معظم نشطائهم ممن يسمون بطلاب علم من الشباب القليل المعرفة بشئون الدين، ولم تتاح لهم فرص دراسة علوم الدين بطريقة منهجية في معاهد وجامعات متخصصة بل جلهم تُبع لمشائخ من وراء البحار، وقد لا يفقه الشيخ شيئا من فقه الواقع المستفتي عنه. والأمر الأخر استغلال المخابرات العربية لهكذا شباب لتنفيذ مخططاتها بعدة وسائل منها توفير الآلة الإعلامية المحلية والدولية لتبرير الأفعال مثل ما نراه من بث إذاعة صوت السلف على الموجة إف إم، وتوفير المال لبرامجها، ومنها تجنيد الشباب لتنفيذ برامجها الاستخباراتية لنشر الفوضى مثل ما حدث بين أولاد صقر وأولاد بوحميرة في الزاوية، وموضوع أبناء الشرشاري في صرمان، ونزاع التبو والزوية في الكفرة، وأخيرا نزاع أولاد سليمان والقذاذفة في سبها.  كما أن قتل الإئمة في بنغازي وطرابلس والتحريض عليهم لا يخلوا أن يكون جزءاً من برنامج خلق البلية وإذكاء نار العداوة والحرب بين المجموعات المسلحة، وبنغازي خير مثال على ذلك. ورغم القبضة الحديدية وزج المعارضين في سجن قرنادة أو مكبات القمامة إلا أن التفجير والتفخيخ لا ينتهي، وهو ما يحتاج إلى حوار مجتمعي وليس حل أمني عسكري. في معظم الحروب والقلاقل القبلية والفئوية توجد بصمات العمل الاستخباراتي، مستخدما المجموعات الأيديولوجية المدعومة من الخارج، والتي تتقمص صور هياكل الدولة الأمنية.

تغييب الشيخ الدكتور نادر العمراني يضع الكثير من التساؤلات عن منهجية القتلة ويؤكد الجانب الاستخباراتي في العمل، فهو من شباب الثمانينات الذين عاصروا منع السنة النبوية في ليبيا، مما حذا به لدراسة الفقه في المدينة المنورة على أيدي أساطين المذهب السلفي الوهابي، ولكنه لم يقتنع بمنهجهم فما كان له  إلا أن يقوم بتحضير درجة الدكتوراه على يد عالم مالكي وهو الشيخ الصادق الغرياني، وهذه المفارقة حالة نادرة جعلت منه يتبنى مفاهيم الإسلام المعتدل البعيد عن التكفير والتهجير، وهو ما أدى إلى ظهور أصوات تشجع على إسكاته وإبعاده عن دار الإفتاء، رغم أنه قليل الظهور كثير الحياه، إضافة إلى أن عائلته أمازيغية إباضية المذهب، ولكنه لم يهتم لذلك التراث. لا ننسي كذلك أن إخفاء قيادات دار الإفتاء هو بمثابة إعلان حرب بين المجموعات المسلحة لقوى الإسلام الوسطي والمتشدد، نسأل الله أن يمن عقلائهم بقراءة الموقف وتجنيب المدينة عواقب القتال أسوة بما حدث في بنغازي. تغييب العمراني جعل الهيئة العامة للأوقاف الليبية أن أصدرت يوم 23 نوفمبر الجاري كتابا يقضي بسحب الكتب التي لم يتم الترخيص لها من المساجد ومنها كتب المداخلة وكتب رسلان.

مقارعة الفكر المتشدد لم يبتدعه القذافي بتأسيس مكاتب مكافحة الزندقة بل يعود إلى أكثر من مئة وستون سنة حينما أمر الأمير عبدالقادر الجزائري (1803-1883) بحرق كتب ابن تيمية في منفاه بدمشق، وأخيراً قام نشطاء من الأردن بحرق كتب ابن تيمية بعد استعانة داعش بفتواه لحرق الطيار معاد الكساسبة، وفي يونيو 2015 صادرت وزارة الأوقاف المصرية كتب ابن باز وابن عثيمين وابن تيمية من المساجد المصرية.

قد لا نحتاج إلى سحب أو حرق مثل هذه الكتب ولكن نحتاج إلى تثقيف الناس في دينهم بأن لا يكونوا تبعا يساقون إلى المجازر كما تساق الشاة بلا فكر ولا بصيرة، عندما نولى أمرنا مشائخ من وراء البحار يدعوننا لدخول الفردوس بقطع رؤوس أبناء جلدتنا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

التعليقات: 2

  • عبدالحق عبدالجبار

    رحم الله الشيخ العمراني و الهم اهله الصبر و السلوان … كل الكلام عن المخابرات الخارجية صحيح و لكن هم يخططون و الليبيين ينفذون و الله المستعان … ليس عن طريق صعاليك الخوارج فقط بل عن طريق خيرات الصخيرات و البنك المركزي و لجنة الدستور كلها داخله بعضها … الطلب من مفتي الديار العلامة الغرياني الخروج لأهل الوطن … و اخماد هذه الفتنة عليه مخاطبة اهل ليبيا جمعاً من جنوبها الي شرقها و غربها …و القيام بالشرح الوافي و المطالبه منهم بأن يتحدوا و يقفوا متحدين ضد هذه الفتنة …و عليه تحمل المسؤولية با ابطال اي فتوة تخرج من اي مكان من اي من كان من شيوخ العالم و لو لمدة سنتين …و الفتوة لا تكون الا من دار الافتاء … و عليه ابطال خيرات الصخيرات و بالتواجه لشيوخ و عقال كل المدن الليبيه و جمع كلمتهم و توحيد صفهم

  • ابوبكر عبدالرازق حسين

    الغدروالقتل وخدمة اعداء الوطن وتعليق الرؤس على على اسوارطرابلس واغتيال شيوخ قبيلة الجوازى بقصر البركة وتسليم حاكم بنى وليد السيداحمدالتواتى وا لاشهب ورفيقة الى حاكم مصراتة وشنقهم بها اغتيال
    عباللطيف المزينى مندوب السيد احمد الشريف ا لى نورى باشا بمصراتة بعد عودتة بالمدد المطلوب من قبل عمر ابودبوس واعوانة شرطة السويحلى حرب الجبل الغربى بين سكانة من الاباضية والمالكية ذبح الرييانة وتزويج الليبيات للطليان اعدام ضباط الجيش بالمعسكرات والشنق بالميادين العامة ………..الحق نور والتاريخ يوجد بالكتب واحفاد الخونة مستمريين ولم يقرؤا ماضى اجدادهم

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً