شرعية حصار درنة ومسئولية تجويع أهلها

شرعية حصار درنة ومسئولية تجويع أهلها

أميمة خطاب

أستاذة جامعية وباحثة حقوقية ليبية مقيمة في بريطانيا

بعد سيطرة الجيش على بنغازي نجده أخيراً يلتفت إلى قضية درنه غير انه التفات غير محمود جاء في صوره سلبيه وعدائيه تمثلت في اصدار الأوامر بحصار المدينه المأهولة بعشرات الالاف من السكان المدنيين؛ كنوع من العقاب الجماعي وكوسيلة للضغط على خصم بعينه متواجد هناك على امل تحقيق الأهداف والحصول على التنازلات. بغض النظر عن الاسباب والحجج، لايمكن لأي حقوقي الصمت امام ما يُعرض من صور لعائلات تسير على اقدامها نازحه ولأطفال مرتعبين ومسنيين لاحول لهم ولاقوه إنها وبحق  مشاهد مؤلمه وانه لأمر بشع ان يُستخدم قطع وسائل الحياة والاتِّصالات عن مدينه ليبيه فقط لدفع أهلها إلى الاستسلام والخنوع اوتسليم ذويهم.

ربما يُقبل الحصار داخليا في إطار النزاعات الداخلية من طرف قوات نظامية معترف بها ضد مليشيات معارضة اوتنظيمات إرهابية، أو من طرف مليشيات معارضة ضد قوات حكومية ولكن فيما يخص مدينة درنه المشهد ضبابي و يُثار حوله العديد من  التساؤلات منها ماهو حول شرعية  الحصار  المفروض من قبل المؤسسه العسكريه ضد المدينه ومنها ماهو حول صحة تصنيفها  كمدينه خارجة عن السيطره ؟ وفي حال وجود مبررات عملية مقنعه للحصار المفروض، يثار التسأول ايضاً حول إدراك  المحاصرون لحدودهم وحول ترتيباتهم لمنع انتهاكات حقوق الإنسان؟

فلمن لا يعرف احب القول ان الحوادث التاريخيه تشير الى ان حصار المدن سواء بشكل جزئي أو كلي مؤقت أو دائم طالما ارتبط بالانتهاكات الخطيرة لحقوق السكان المدنيين والمدن المحاصرة وان اثاره خطيره لاتعد ولاتحصى. وفي درنه قصص وحكايات كثيره تؤكد ذلك،  فمن الناحية الصحيه على سبيل المثال،  أدّى نقص الدواء، وعدم قدرة الكثير من المرضى على الحصول على الادويه و الخدمات الطبية التي يحتاجونها، إلى وفاة وتدهور الحاله الصحيه للعديد منهم، فهل يضع من يحاصر المدينه في اعتباره احتياجات المصابين مثلاً بالفشل الكلوي وامراض القلب والسرطان، او احتياجات الأطفال الرضّع وهل يقدر عواقب النقص  الحاد في الغذاء و المستلزمات الطبية والادويه التي يحتاجُها هولاء.

من الناحيه الاجتماعيه ،حصار درنه أدى إلى العديد من الأزمات الاجتماعية نتيجة لتقطع العائلات عن بعضها، فالكثير من العائلات بقي بعض أفرادها خارج المدينه و اصيب الناس بالذعر وباتوا يخافون العوده فالمعامله اليوم اصبحت مرتبطه بالهويه مما جعل الكثيرين غير قادرين على العودة إلى بيوتهم وزوجاتهم واطفالهم ، وفي بعض الأحيان لم يعد بإمكانهم حتا طمأنة ذويهم عن مكان تواجدهم.

من الناحيه البيئيه،  المشاكل البيئية الناجمه عن حصار المدينه تتفاقم كل يوم وهذا يشمل إنهيار  خدمات الصرف الصحي  وانقطاع خدمات جمع النفايات وتراكمها الذي قد جلب القوارض والحشرات وسبب بانتشار الكثير الأمراض الجلديه والأوبئة التي لم تكن معروفه من قبل.

فضلاً عن ذلك حصار درنه، جعل المصارف المحليه عاجزه عن توفير العمله اللازمه للتداول بين الافراد وهو الأمر الذي يجعل إمكانية الحياة في المدينه تقل مع مرور الوقت، وأدى إلى نزوح  وهجرة عدد كبير من سكانها  إلى مناطق أخرى حيث  يتم التعامل معهم فيها بشكل غير مرحب به. فهل يدرك المحاصِرون ان ممارسة الضغوطات لتهجير السكان المدنيين قد يؤدي إلي عواقب وخيمه اولها  انتشار المجاعة وارتفاع معدلات الفقر والجريمه.

تأسيساً على ذلك، لابد من لفت نظر الجميع الى ان القانون الدولي الإنساني يقرر عدم شرعيه استعمال  الحصار والتجويع كوسيلة حربية ضد الأشخاص المدنيين، ويحظر مهاجمة الأعيان التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين، أو تدميرها، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها لهذا الغرض. ويؤكد القانون الدولي ايضاً على ضرورة الالتزام بقبول أعمال الإغاثة ذات الطابع الإنساني وغير المتحيز المخصصة للسكان المدنيين عندما توشك المواد الأساسية أن تنفذ. ويحث القانون أطراف النزاع على الحفاظ على شروط تسمح للسكان المدنيين بتأمين معاشهم، لاسيما بالامتناع عن اتخاذ أي تدبير يستهدف حرمانهم من موارد تموينهم ، أو حرمانهم بصفة عامة من المواد التي لا غني عنها للحياه الاّدميه اللائقه.

اخيراً، احب ان اقول لكل صاحب ضمير حي ان اهالي درنه ليبيين وما هم إلا ضحايا لفوضى ورحى الحرب والعنف الدائره في ليبيا وان أولوية مكافحة الإرهاب ذلك الشعار المرفوع لتكميم الافواه لا يجب أن تكون إطلاقاُ على حساب مدنيين وجدوا أنفسهم بشكل او بأخر يعيشون في مدينه تصنف بأنها خارجه عن السيطره.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أميمة خطاب

أستاذة جامعية وباحثة حقوقية ليبية مقيمة في بريطانيا

اترك تعليقاً