الوضع المأساوي للسجناء في ليبيا قديم جديد مُتأزم

الوضع المأساوي للسجناء في ليبيا قديم جديد مُتأزم

أميمة خطاب

أستاذة جامعية وباحثة حقوقية ليبية مقيمة في بريطانيا

كتبت يوماً انَّه مُنذُ القِدم وإلى يومنا هذا لم تعرف ليبيا السجن كمؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية وها هو تقرير الامم المتحده الاخير يؤكد ذلك، يوم الثلاثاء العاشر من أبريل 2018 أصدر مكتب الأُمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة تقريره عن أوضاع السجون الليبيه والمعتقلين فيها ويالهُ من تقريرٍ مُخزي يعكس السقوط المدوي على المستوي الأخلاقي والأنساني لكل الساسه والعسكريين الليبين. إن هذا التقرير لا يكشف فقط عن الإنتهاكات والخروقات المروعة التي يتعرض لها المحتجزون في السجون الليبيه، بل أيضاً عن الرعب والتعسف المطلق الذي يُمارس ضدهم وضد عائلاتهم على مرأى ومَسْمَع من الجميع.
يشير التقرير الى ان الميليشيات المسلحة في ليبيا بما فيها تلك التابعة للدولة تقوم بأحتجاز آلاف الأشخاص احتجازاً تعسفياً وغير قانوني لفترات طويلة حيث يتم تعذيبهم وتمارس في حقهم كل اصناف إنتهاكات حقوق الإنسان. ويلفت النظر الى امر خطير وهو أن عملية تنفيذ الأحكام الواردة في القانون الليبي لمعالجة حالات الأشخاص المحتجزين تعسفاً لفترات طويلة من الزمن قد توقفت. وبدلاً من كبح جماح الميليشيات المسلحة ودمج أعضائها تحت هياكل قيادة الدولة والسيطرة عليها ، تعتمد الحكومات الليبية المتعاقبة بشكل متزايد عليها لبسط النفوذ بل و تدفع لهم الرواتب وتوفر لهم المعدات والزي ونتيجة لذلك ، نمت قوتهم دون رادع واصبحوا غير مقيدين بأي رقابة حكومية فعاله.
يصف التقرير السجناء بالضحايا لتلك الميليشيات ويوضح كيف انهم لا يستطيعون اللجوء للقضاء ولا يمنحون الانصاف او التعويضات ويشير بشكل تهكمي كيف انه في المقابل يتمتع أفراد الميليشيات المسلحة بالإفلات التام من العقاب والمساءله. كما يشير الى ان أخذ الرهائن لتبادل السجناء أو الفدية أصبح امر شائع.
بحسب التقرير، منذ أن اندلعت أعمال القتال مجدداً في عام 2014 ، قامت الجماعات المسلحة في الشرق والغرب باعتقال المعارضين والمنتقدين والناشطين والمهنيين الطبيين والصحفيين والسياسيين. وبالتالي اصبحت السجون الليبيه تحوي نوعين من المحتجزين بصورة تعسفية أو غير قانونية اولاً، الأشخاص المحتجزين فيما يتعلق بالنزاع المسلح في عام 2011 والعديد منهم بدون تهمة أو محاكمة أو حكم لمدة تزيد على ست سنوات. وثانياً، كل من يقول لا لحكم الميليشيات المسلحه ويخالفها الرأي.
يلخص التقرير ، الذي نُشر بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، الشواغل الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالمحتجزين تعسفاً منذ توقيع الاتفاق السياسي الليبي في 2015 حتى 2018. ويشير الى ما تقوم بها المليشيات المسلحه من فظاعات لا يمكن وصفها. حيثُ يُمارس التعذيب وسوء المعاملة بشكل ممنهج في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد، ولا سيما في فترة الاحتجاز الاولى وخلال التحقيق و الاستجواب. وتشمل أساليب التعذيب الأكثر شيوعا الضرب بأشياء مختلفة مثل القضبان المعدنية وأنابيب المياه والجلد على باطن القدمين والتعليق في وضعيات مؤلمة أو الحرق بالسجائر و القضبان الساخنة والصدمات الكهربائية. وقد تعرض بعض المحتجزين للضرب حتى الموت. حيث يشير التقرير الى انه تم الكشف عن جثث المئات ممن أخذتهم المجموعات المسلحة ملقاة في الطرقات والمستشفيات ومكبات القمامة، وكثير من هذه الجثث كانت بأطراف مكسورة وظهرت عليها اثار التعذيب والجروح الناجمة عن إطلاق النار. وتبين مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان أن المجموعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد قامت بإعدام أشخاص محرومين من حريتهم بإجراءات موجزة أو قتلهم بطريقة غير قانونية.
الامر ليس مقصور على الرجال، فبحسب التقرير النساء ايضاً يُحتجزن بشكل تعسفي بسبب الانتماءات العائلية أو بغرض مبادلتهن بالسجناء، ويتم احتجازهن في مراكز تفتقر إلى الحارسات من النساء مما يعرضهن لخطر الاعتداء الجنسي. اما عن حالات تعذيب النساء الموثقه فهي تشمل الضرب والجلد وجذب الشعروالاهانات والتهديدات ذات الطابع الجنسي كما يحصل في مركز الاحتجاز في معيتيقة التابع لقوة الردع الخاصة وكذلك الأمن المركزي/ أبو سليم وأماكن الاحتجاز الاخرى التابعة رسميا لوزارة الداخلية. كما يشير التقرير الى انه يجري تجريد المحتجزات من ملابسهن وإخضاعهن للتفتيش الشخصي من قبل الحراس الذكور أمام تحديق المسؤولين الذكور.
وفي شرق ليبيا، يوضح التقرير كيف ان الجيش الوطني الليبي ومواليه يلقون القبض على المعارضين ومؤيديهم وأفراد أسر المجموعات المسلحة المتنازع معها وألافراد الذين يُعتقد أنهم ينتقدون الجيش كالإعلاميين والنشطاء الحقوقيين. وكما هو الحال في غرب البلاد لا تفرق عمليات الاعتقال التي يمارسها الجيش الوطني الليبي بين الرجال والنساء والاطفال حيث يتم اعتقال الجميع بسبب إنتماءاتهم العائلية أو القبلية أو السياسية، وفي بعض الاحيان يُحتجز هؤلاء كرهائن لمجرد الضغط على أقربائهم لتسليم أنفسهم أو مقايضتهم بالمقاتلين المحتجزين لدى المجموعات المنافسة لهم.

فيما يخص ظروف الاحتجاز، اشار التقرير الى الظروف البائسة التي يعيش فيها السجناء في اغلب السجون الليبيه حيث ان اغلب الزنزانات صغيرة مكتظة تفتقر إلى الضوء والتهوية أو أماكن إلاغتسال والمرافق الصحية الملائمة. لاتتوفر الوجبات الصحيه ويعاني السجناء من نقص ألافرشة و البطانيات حتا انَّ بعض المحتجزون لايتمكنون من النوم في وقت واحد لعدم اتساع المكان. ام عن الحبس الانفرادي فهو قصه اكثر رعباً، حيث يشرح التقرير كيف يوضع السجناء في غرف ضيقه لا يتمكنون فيها من مد ساقيهم ويعانون من خروج الفئران والحشرات من ثقوب في الارض كانت تستخدم كمراحيض. ويُورد التقرير شهادات بعض السجناء ممن وصفوا معاناتهم من صعوبة في التنفس بسبب نقص التهوية والرائحة الكريهة القوية.
يشير التقرير الى ان عدد الأشخاص الذين يقبعون في سجون رسمية يشرف عليهم من قبل الشرطة القضائية التابعة لوزارة العدل يُقدربحوالي 6،500 شخص في سنة 2017. خلاف ذلك لا توجد هناك اي إحصائيات متوفرة للمرافق التي لا تقع تحت إشراف وزارتي الداخلية والدفاع ، ولا للسجون التي تدار بشكل مباشرمن قبل الميلشيات ويُقدر العدد بِالآلاف .
يشدد التقرير الاممي على خطورة الاعتقال التعسفي وغير القانوني الطويل الأمد وانتهاكات حقوق الإنسان المتوطنة في الحجز في ليبيا. ويؤكد على ان وقف مايحصل يتطلب إجراءات عاجلة من السلطات الليبية ودعم من المجتمع الدولي لتحقيق الإنصاف للضحايا وأسرهم ومنع تكرار مثل هذه الجرائم. كخطوة أولى ، يناشد التقرير الدوله والجهات الفاعلة الغير تابعه لها و التي تسيطر فعلياً على الأرض وتمارس الوظائف الشبيهة بالحكومية أن تفرج عن المحتجزين بصورة تعسفية أو غير قانونية. بعد ذلك، يجب نقل جميع المعتقلين بشكل قانوني إلى السجون الرسمية في ظل سيطرة حكومية فعالة وحصرية.
بعد الاطلاع على هذا الوضع المأساوي للسجناء في ليبيا والذي كما اسلفت قديم جديد مُتأزم وبعد ان تم نشره وتوثيقه من قبل الامم المتحده لابد لأي صوت حقوقي حر ان يُطالب السلطات أن تدين علناً وبشكل لا لبس فيه التعذيب والمعاملة السيئة والإعدام دون محاكمة للمحتجزين ، وأن تضمن المساءلة عن مثل هذه الجرائم. لان عدم اتخاذ إجراء لن يؤدي إلا الى تفاقم الوضع و إلى إستمرار معاناة آلاف المحتجزين وأسرهم و للمزيد من الخسائر في الأرواح. كما أنه سيضر بأي جهود لتحقيق الاستقرار وبناء السلم والمصالحه الوطنيه.
فهل من مجيب؟؟؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أميمة خطاب

أستاذة جامعية وباحثة حقوقية ليبية مقيمة في بريطانيا

التعليقات: 2

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً