فرنسا وأمريكا وتبادل الأدوار في المنطقة

فرنسا وأمريكا وتبادل الأدوار في المنطقة

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، و بزوغ الولايات الامتحدة الامريكية كقوة عظمى و مسيطرة في العالم الغربي ، وما نتج عن ذلك من إنسحاب للبساط من تحت زعيمتي العالم الاستعماري القديم ، فرنسا و بريطانيا ،  أخذت هاتان الدولتان تبحثان عن مكان لهما وسط بحر التغييرات و كان لكل منهما خياراته.

بريطانيا اختارت الوقوف التام إلى جانب الولايات المتحدة والانصياع لرغباتها كحليف أستراتيجي لها ، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح جيرانها الاوروبيين ، والتي رفضت الانضمام إليهم في بداية خمسينيات القرن الماضي  ، حين كانت بداية تأسيس الاتحاد الأوروبي  تحت مظلة إتحاد الفولاذ والفحم ، و فضلت الارتباط الاقوى بأمريكا ، مما حدى بالرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول أن ينعتها بأنها ليست جزء من أوروبا وأنها جزيرة تابعة لأمريكا ، و الذي نتج عنه رفض ديغول إنضمام بريطانيا لاحقاً للسوق الاوروبية المشتركة ( اسم الاتحاد الاوروبي سابقاً ) ، والذي تأخر بسبب ذلك إلى منتصف السبعينات ،  بينما عملت  فرنسا على التقارب مع ألمانيا عدوتها اللدودة السابقة ،  لتثمر شراكتهما الطويلة عن الاتحاد الاوروبي الذي نشهده اليوم.

تظل عقيدة فرنسا الاسترتيجية هي المحافظة على إستقلال قرارها  السياسي ماستطاعت لذلك سبيلاً  ، كذلك المحافظة على خياراتها العسكرية المستقلة ، و مثال ذلك  حدث في زمن الحرب الباردة ، حيث رفضت فرنسا مشروع الغطاء النووي الامريكي  تحت مظلة الناتو ،  ذلك بممانعتها لإنشاء قواعد للصواريخ النووية الامريكية على أراضيها أسوة بباقي دول حلف الناتو ، و فضلت أن يكون لها قوتها النووية الخاصة بها  ، كذلك مشروع الطائرة المقاتلة رافال والذي إستقلت به فرنسا لوحدها ، مبتعدة به عن مشروع الطائرة الاوروبية المقاتلة يوروفايتر ، الذي أنسحبت منه فرنسا بعد رفض شركائها الاوروبيين  طلب فرنسا بأن تتزعم هذا المشروع.

هناك من يرى بأن أمريكا شجعت  إنشاء الاتحاد الاوروبي و دعمته ليسهل عليها التحكم بأوروبا بمجملها  و لجم الدول الرافضة للهيمنة الامريكية داخله  ومنها فرنسا ، . و نرى مثال ذلك سنة 2001 ،  في قرار الولايات المتحدة الامريكية  إحتلال إفغانستان ، ودعوتها لحلفائها الاوروبيين للمشاركة فيه،  و الذي قاومته فرنسا في البداية مما أغضب عليها أمريكا ،  التي هددتها بفرض عقوبات  شديدة عليها مما حدى بالديك الفرنسي المشاغب للتراجع والدخول إلى قن دجاج العم سام ، أسوة بغيره من الدجاجات الاوروبيات ، ومشاركة القوات الفرنسية في تلك الحرب.

مع تغير إلإستراتيجة الامريكية مؤخراً  و تراجعها عن الدور القيادي المباشر  للتدخل  في العالم بصفة عامة ، ( مبدأ القيادة من الخلف ، كما حدث في حرب ليبيا سنة 2011 )  تسعى فرنسا لإحتلال هذا الدور خاصة في المناطق التي تهمها ، كمناطق مستعمراتها السابقة في أفريقيا السمراء ، وكذلك في دول الساحل والصحراء والتي تقع بلادنا ضمنها ، وقد شاهدنا ذلك في التدخل العسكري الفرنسي المباشر في شمال مالي ومقاتلتها للجماعات الاسلامية المتشددة هناك ، كذلك تدخلها المباشر في ليبيا ، والذي تزعمته  وكانت البادئة به.

ما فتأت فرنسا تعيد وتكرر حديثها عن  الخطر المباشر الذي يتهدد مصالحها بل يتهدد حتى أراضيها مباشرة و القادم حسب زعمها من ليبيا ، وقد أستمعنا إلى الكثير من تصريحات المسؤولين الفرنسيين بالخصوص ،  والتي كان آخرها تصريح السيد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالي ،  اليوم الثلاثاء ، 01/12/2015 ، من أن ليبيا هي الملف الابرز الذي سيتم طرحه في الاشهر القادمة ، في الاشارة إلى معركة فرنسا ضد الارهاب والذي سيجعل ليبيا أحد مواقعها.

تنظر فرنسا إلى ليبيا من ثلاث وجهات و إن كانت مختلفة إلا أنها تصب في بوتقة واحدة  ، وهي الضرر بالمصالح الفرنسية في المنطقة ، فخطر التنظيمات المتشددة وتنامي نشاطها في ليبيا  ، و موضوع الهجرة الغير شرعية والذي و إن كان يؤثر في دول أخرى أكثر منها إلا أن حادثة باريس الاخيرة ، أوضحت بأن الارهاب له أذرع طويلة و متشابكة  تستطيع أن تؤلم أينما وصلت و أن الارهاب يستغل بعض من المهاجرين غير الشرعيين في تنفيذ  ذلك ، كذلك ملف الطاقة ، والذي لا زال أحد أبرز إهتامامت فرنسا في ليبيا ، والذي  لم تغفرفيه  فرنسا لحاكم ليبيا السابق تفضيل إيطاليا عليها في الحصول على عقود النفط المُجزية ،  مما يعزوه الكثير من العارفين إلى أنه السبب الرئيسي للتدخل الفرنسي العسكري في ليبيا ربيع 2011.

يقابل ذلك ترحيب العديد من الليبيين بالتدخل الاجنبي المباشر في ليبيا ،  والذي يبررونه بعدم وجود من يحارب  الارهاب بكفائة  في ليبيا ، و إلى عدم وجود حكومة قوية فيها  ، و إلى تردي الاحوال المعيشية والامنية  للبلاد ، لكنهم يتغافلون في مقابل ذلك  عن أن إحتلال الغرب لأفغانستان و العراق لم يحقق لهما الامن والاستقرار بها ، بل جلب لهما التشرد و  الخراب والدمار.

فهل سنشاهد قريباً أحذية جنود الفيلق الاجنبي الفرنسي وهي تتجول في شوارع طرابلس؟

الفيلق الاجنبي الفرنسي هو أحد قوات النخبة  السيئة السمعة في الجيش الفرنسي، التي لازالت موجودة إلى الان ،  ومعظم جنوده من الاجانب و لكن بقيادة فرنسية ،  و قد قاتل في جميع حروب فرنسا  الخارجية ، بما فيها حرب شمال  مالي الاخيرة ، تأسس هذا الفيلق سنة 1831 م ، مباشرة بعد إحتلال فرنسا للجزائر، وأتخذ منها قاعدة رئيسية له  ، ليكون أداة فرنسا العسكرية فيها ، و ظل  يقمع  الشعب الجزائري لمدة 130 سنة ، وقد أرتكب جنوده الكثير من الفظائع الموثَّقة فيها.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً