متى يُسدل الستار على مهزلة صراع “الصادق الغرياني ومحمود جبريل”؟

متى يُسدل الستار على مهزلة صراع “الصادق الغرياني ومحمود جبريل”؟

الصادق الغرياني ومحمود جبريل
الصادق الغرياني ومحمود جبريل

لازال الشّعب اللّيبي، رغم كل جراحاته وآلامه، يحبس أنفاسه ويراقب عن كثب التطاحن والتناطح الدامي بين هرمي الصراع السياسي في ليبيا. ولا أحد يعلم متى يُسدل الستار عن هذه المهزلة ومن منهما سيوجه الضربة القاضية للآخر ويفوز بعرش القذافي الذي مازال مخضباً بدمائه…!

ان أقل ما يمكن أن يقال عن هذا “النطاح” انه مُخجِل وكارثي ولن يدفع ثمنه إلا الشعب الليبي. فما من أحد يستطيع أن ينكر الثقل الذي يمثله طرفي هذا الصراع. والذي يروق للاعلام الغربي والخليجي وصفه – زوراً وبهتاناً – بالصراع (الاسلامي-العلماني). وهي المعادلة التي لم يستسغها أو يبتلعها الشارع الليبي المسلم والمحافظ.

وما صدمنا حقيقة هو رفض “مفتي الديار الليبية الشيخ الصادق الغرياني” لقيادة حوار المصالحة الوطنية. رغم تكرر دعوات خصمه “الدكتور محمود جبريل” للحوار والمصالحة الوطنية والتي أظهر فيها “الدكتور محمود جبريل” حسن نواياه واستعداده التام للحوار الصريح والمباشر وأمام كل الليبيين، سعياً لرأب الصدع بين الأطراف المتصارعة على السلطة في ليبيا. وكانت هذه الدعوات المعلنة ضربة قاصمة “لظهر الفتنة” أي كان مُشعلها.

ولكن، ما أثار الدهشة والتساؤل لماذا وما الذي وراء اصرار “سماحة المفتي” على تكفير الرجل واتهامه بشكل صريح بمعادة الاسلام وأنه وكل أعضاء التحالف الوطني إذا ما وصلوا لسدة الحكم فإنهم سينشرون الفحشاء بين الناس وسيقيموا دور البغاء والدعارة وسيشرعون زواج المثليين وما إلى ذلك من موبقات تقشعر لسماعها الأبدان..!

وبعد أن أثارت تصريحات المفتي هذه جدلاً واسعاً وغضباً واستهجاناً في الشارع الليبي وخصوصاً بعد تأكيد قوى التحالف الوطني الصريح والواضح بأنهم “مسلمون” وأكدوا التزامهم بتطبيق الشريعة الاسلامية وبأنه قد تم حسم الموقف بالاتفاق التام مع المبدأ الأساسي بأن كل ما يخالف الشريعة فهو باطل. ولكن المفتي يفاجئ الليبيين مرة أخرى بإصراره على تكفير قوى التحالف الوطني…!

وما لم يكن متوقعاً هو “الصدمة الأعنف” التي فجرها سماحة المفتي في لقاء مباشر على قناة “الوطنية” فيما اعتبره سماحة المفتي “الجواب الكافي” لتساؤلات الشارع الليبي لتبرير فتواه واحكامه وهي أنه – أي المفتي- قد بنى رأيه استناداً على ما تناقلته “الفضائيات العربية والغربية” والتي وصفت جبريل وأعضاء التحالف الوطني بأنهم (ليبراليون وعلمانيون)، لذلك اقتنع فضيلته بأن جبريل واعضاء التحالف هم “اعداء للاسلام” …!!! هل يُعقَل أن يستند مفتي الديار الليبية في أحكامه وفتواه على ما تتداوله الفضائيات من أراء وتحليلات لا تعبر إلا عن وجهة نظر أصحابها ومالكي تلك الفضائيات؟؟

ومنذ متى كانت وسائل الاعلام مرجعاً لاستصدار أحكام وفتاوى بهذا الحجم يا شيخنا؟ ألا يعلم شيخنا الجليل والعلامة الفاضل بأن الاعلام هو فن “صناعة الرأي العام وتوجيه العوام” وحتى الأخبار تحكمها طريقة صياغتها وفق توجه كل وسيط اعلامي. المقام لا يتسع هنا للاسهاب حول آلية عمل الوسائط الاعلامية واستراتيجياتها واهدافها… ولكن … ولأن الذكرى تنفع المؤمنين … نقول لشيخنا نصيحة بأن يراقب كل ما يبتلعه من وسائل الاعلام وأن يضع قول الحق عزّ وجل “فتبينوا” نصب عينيه..! ولست أنت يا شيخ ولا الأمانة التي تحملها تسمح لك باتخاذ ما تقوله الفضائيات حجة وبرهانا لأحكامك…!

عندما سمعنا هذا التبرير حرفياً من الامام الشاب لمسجد “مولاي محمد” على أحدى الفضائيات الليبية، رداً على سؤال المذيع: علام استند في وصفه لجبريل بالعلماني والليبيرالي خصوصاً بعد نفي جبريل نفسه بأنه ليس علمانيا او ليبرالياً؟ رد الشيخ الشاب: بأن وصفه لجبريل وقوى التحالف الوطني بالعلمانية جاء استنادا لما تتناقله الفضائيات ! صحيح صدمتنا الاجابة ولكن لم نلومه كثيرا فهو شاب قليل الخبرة ومحدود الثقافة وأمامه الوقت ليعلم ويتعلم ..!

ولكن أن يتكرر هذا الكلام حرفياً على لسان مفتي البلاد فهذه والله طامة ومصيبة كبرى. وعلى الأخوة المختصين في الاعلام إن يلقنوا شيخنا دروساً في مبادئ الاعلام و اساليب صناعة الرأي العام. وأن يهمسوا في أذنيه بأن الفضائيات العربية الكبرى والغربية تنهل من مصدر واحد وولائها لقيادة عالمية واحدة لن يروقه أبداً أن يعرفها. ونفترض هنا حسن النية بأن الشيخ الصادق صادق فيما يقول. بأنه قد بنى رأيه استنادا على ما تردده الفضائيات.

وبعيدا عن هذا الجدل سؤالنا المهم هو: متى تتوقف مهزلة هذا الصراع “الاسلامي-العلماني” المفتعل والدخيل على مجتمعنا ونفكر في “بناء ليبيا”؟

وهنا ندعو شيخنا الجليل وكل الاطراف اللاهثة نحو السلطة أن يحكموا العقل ويتقوا الله في هذا الشعب…! وأن يلتفتوا لجراحاته وآلامه ودمائه التي لازالت تنزف، وأن يلتفتوا للمهجرين من أهلنا الضعفاء أطفالاً وشيوخاً ونساء داخل البلاد وخارجها… وأن يكرسوا الجهد والوقت لأقامة دولة العدل والقانون عبر تفعيل مؤسساته القضاء وحل كارثة الانفلات الأمني وانتشار السلاح…! ليبيا ليس لديها الوقت لمثل هذه المهازل التي نراها ممن يفترض بهم أنهم النخبة وولاة الأمر!

وليتأكد اليسطاء المنجرون خلف هذا الصراع بأنه ليس هناك من غاية في الترويج الاعلامي من قبل فضائيات الخليج والفضائيات الغربية لمصطلح (اسلامي) و (علماني) واشاعته وترسيخه سوى تقسيم وتفتيت مجتمعنا الليبي المسلم، وقد نهانا الحق عزّ وجل عن تقسيم ديننا الحنيف شيعاً وأحزابا في نصوص صريحة وواضحة.

ومنها قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعلُونَ” الانعام:159. وقوله عزّ وجل: “وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” الروم:32.

أخي في الاسلام أسألك أن تتوقف عن ترويج ما تسوقه آلة الاعلام ” الغربي والمستعرب” -الجزيرة والعربية وسكاي نيوز والـ BBC وغيرهم- فما أرادوا بنا ولا بديننا أو وطننا خيرا. وطننا وديننا يحتاج لوحدتنا واعتصامنا بحبل الله جميعاً لا أن نزداد فرقة وتعصب ديني وطائفي ما عرفناه يوماً في مجتمعنا الليبي المسلم والمحافظ.

ولا تصدق بأن هناك من يستطيع اشاعة الفحشاء والمنكر في مجتمعنا، فالقذافي بكل جبروته وطغيانه ورغم كل ما وصفت به علاقته بالدين والتي وصلت إلى حد تكفيره … لم تنتشر في عهده دور البغاء والدعارة والخمّارات، فكيف سيستطيع غيره كائناً من يكون؟ -رغم انتشار كل هذه الموبقات وأكثر في دول الخليج التي تدّعي بأنها راعية للمشروع “الاسلامي” في ليبيا وهي ذاتها عواصم الفضائيات التي يتخذ منها مشائخنا للأسف مرجعاً لتقييم أبناء ليبيا ..!

في الحقيقة انها حجج ودرائع واهية يلوح بها من يستخدم الدين مطية في الصراع الدامي على عرش ليبيا الشاغر … انه فقط صراع على “المال والسلطة” وكلٌ يستخدم كل ما بوسعه من وسائل بما فيها التحجج بنصرة الدين. انه هوس الطامعون في السلطة فلا تنجروا خلف الطامعيين والمهووسين بالكرسي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً