مـحـطـات ليـبـيـة (29)

مـحـطـات ليـبـيـة (29)

يا سـلام!…. قانون طوارئ، بدون دستور؟!

(الرسم للفنان كارلوس لاتوف)

شـدّوا ما جاكم.. فعادةً هكذا.. تُولد الديكتاتورية.. وأنتم خير من يعلم

أُعيد وأكرّر منذ قيام ثورة الشعب الليبي فى 17 فبراير.. وسأظلّ أعيد وسأكرّر إلى ما لا نهاية: ” بأنّ تجاهل دستور الإستقلال – الذى وُلدت من رحمه دولة إسمها ” ليبيا” – قد كشف المستور عن مؤامرة، بل، وجريمة  ارتكبها  المستشار مصطفى عبدالجليل ومن كان – آنذاك  – من ضمن جوقته ومستشاريه.. والتى مع الأسف ضمّت  العديد من “الكريم دو لاكريم” من نخب بنغازى المتألقة فى جميع علوم الدنيا التى تخطر على البال..

إذ أنّ تجاهل دستور استقلال ليبيا، عقب قيام ثورة شعب ليبيا ضد القذافى.. هو اعتراف ضمني بشرعية ذلك النظام الأسرى/ القبلى القذافى.. الخارج عن جميع قوانين الإنسان والحيوان..

فها هو الدكتور المقريف، منذ أيام ومن على منبر الأمم المتحدة.. يعتذر للعالم عن جرائم القذافى؟.. وهو يعلم أكثر من غيره.. بأنّ القذافى فجّر طائرة – اليو تى أى –  تلك، من أجل اغتياله هو – المقريّف شخصيّاً – غير عابئ فى سبيل قتله، بموت ولو مئات من البشر فوق سماء النيجر!

وهاهى حكومة الكيب المليارية.. تلوّح بمليار دولار آخر من ثروة الليبيين كديّة لإغتيال شيخ إيرانى لبنانى إسمه الصدر.. وكأنّ  قتلته هم الشعب الليبي!.. ولا ننسى إجتماعات المستشارعبدالجليل المكثّفة مع كاميرون فى لندن حتّى قبل تحرير طرابلس! – وتحرير مليم واحد من أموالنا المجمّدة – عن تعويض بريطانيا على تسليح القذافى لإرهابيّ شمال إيرلندة.. وحتّى عن مقتل شرطية إسمها فلتشر.. وهم يعرفون بالضبط  قتلتها فى السفارة وبإسمائهم الرباعية!؟.. ألم تلاحظوا معى.. بأن الحكومة البريطانية قد صمتت فجأة عن طارى التعويضات!..

فهل يا ترى، قدّ حصل وقبضوا، ما لذّ لهم وما طاب من أموالنا المجمّدة والنزيكة فى بنوكهم؟

إنّ مسلسل ملف تعويضات – وشرعنة نظام المجرم القذافى، كما أراده مصطفى عبدالجليل – لم ولن تنتهى!.. فهل نسيتم جرائم المجرم الدولى فى تشاد وأوغندا ودارفور والفلبين، وتلغيم قناة السويس؟.. وووو؟

غير أنّ تجاهل الدستور من ناحية أخرى.. فتح لهؤلاء الأصحاح وصحاح الوجوه.. ثلاثة مراحل إنتقالية – للإستثراء وللإستفراد بنا –  فهذا مجلس وطنى ومجلس تنفيذى، مؤقت!.. تتبعه حكومة إنتقالية مؤقتة ثانية و68 مليار تبدّدت وتلاشت كما الغبار!.. ثمّ مجلس تأسيسى – مؤقتّ هو الآخر – ولكن لكلّ عضو فيه مميّزات رئيس حكومة – فى غياب الدستور والحكومة! – ثمّ، حكومة إنتقالية مؤقتة ثالثة – والتالته والته – لغرف ما يمكن غرفه، تحت بنود قوانين الطوارئ، بحجّة  معالجة الأزمة.. والأزمة والكارثة.. هم من اختلقها أساساً من العدم، عندما تمّ تغييب دستور البلاد عمداً !؟….. وعجبى؟

*****

يوسـف الـمنقوش – خطّر عليّا – يوسـف شـاكير!؟

 السيد اللواء يوسف المنقوش صرح في “المؤتمر الصحفى” – المخجل إيّاه- لحكّامنا الجدد فى مطار بنغازى، قبل أن يفرّوا عائدين لريكسوس طرابلس : ” بأنّ مظاهرة (إنقاذ بنغازي) المطالبة بفكّ المليشيات المسلّحة وبتفعيل الجيش الوطني، قد انحرفت عن مسارها(!!).. لأنّ كتيبة (راف الله السحاتي) وكتيبة (درع ليبيا) وكتيبة (17 فبراير).. هم فى الواقع قوات ونواة للجيش، وتابعة أساساً لرئاسة الأركان” (!!).. وهو يعلم أنّ أهل بنغازى يعلمون تماماً، أنّ كلامه لا أساس له من الصحة.. كما يعلمون لمن تتبع هذه الكتائب، وبأوامر منّ تأتمر.. وبأنّ سيادته وحتى تلك الليلة الغاضبة .. لم يكن يتجرأ  – كرئيس أركان –  بأمر إشعال أو إطفاء مصباح كهرباء!  فى أيٍّ معسكراتها المدججة بالسلاح القطري.. ناهيك عن دخولها بدون إذن مُسبق!..

إذ يعرف جيّداً،  حكّامنا القدماء والجدد.. كيف تسلّحت؟ وكيف تدرّبت هذه الماليشيات، بصورة منفردة، ومنعزلة، عن سرايا الجيش الوطنى المتهالكة، والتى كانت معدودة آنذاك، وتعدّ بالكاد على نصف عدد أصابع اليد الواحدة فى بنغازى!..

بالطبع لم ينطلى إدعاء اللواء المنقوش يومها على مواطناً واحداً فى بنغازى.. إنتهاءاً  بأصغر طفلٍ فيها.

ولا أدرى لماذا هذه الإدعاءات الفارغة –  ولا أريد أنّ أقول الكاذبة – وإن كانت الأصحّ –  ذكّرتنى بإنزعاجات وتشنّجات ” يوسف شاكير”، على إجماع وإصرار الإذاعات والفضائيات والوكالات العالمية وسط خضّم  معارك ثورة فبراير الحاسمة.. على تسميّة كتائب حماية القذافى الأمنية بـ “كتائب القذافى”.. وأتذكّر كيف كان يشطح ذلكم الشاكير الشهير، مكذّباً لتلك الإدعاءات.. ومهدّداً لعجائزنا المسكينات بسبحته، ومؤكّداً لمشاهديه الذين يسهرون من أجل متابعته خصيصاً قصيصاً، بأنّها : إنّما هى كتائب رئاسة أركان الجيش الليبي وبوبكر يونس وليس للعقيد القذافى – أبو راتب 465 دينار- المسكين – أيّ كتائب أمنية!

الغريب!.. أنّ نفس الـ يوسف شاكير، استضاف فى إحدى حلقاته المسليّة – العقيد حينها – يوسف المنقوش –  خلال شهر مايو 2011 ، إن لم تخنى الذاكرة.. عندما وقع الأخير” أسيراً” –  فى أوّل يوم – من مهمّة قتالية قادها فى جبهة البريقة.. غير أنّ تلك، قصّة أخرى.

*****

ريشة فنّان…… خير من ألف قلم وقلم

*****

لـقد غدروا بكِ مرّةً أخرى.. يا بنغازي!

يا شايلة همّ الوطـن(**) يا حــرّة يا ثايره عالظلــــــــم 100 مـــــرّة

وستظلّي طول عمرك فنطازى وعنطازى يا بنغازى.. وقصّتك مع الحسد قصّة، ومع الغدر قصّة،  منذ حتّى عهود ليست ببعيدة؟.. فما بالكِ بقرون وقرون؟

الكلّ يحتاجك ويلجأ إليك يا بنغازى.. ويتحصّن بكِ، وقت العازة.. ولكن بمجرّد – أنّ يشمّ صنانه – ويستقوي ويصبح ملك ملوكٍ مثلاً.. أوّ رئيس مجلس انتقالى!.. أو نائب مُنتخب! ولكن فى منزلة رئيس حكومة ونزيل أحد أجنحة ريكسوس الفارهة!.. فإنّ أوّل مدينة يغدر بها هي أنتِ يا بنغازى؟

ناهيك.. عن (بعضٍ) من ذوي النقص المركّب.. ممن جاؤوك يا ربايّة الذوايح، حفاةً، عراة، فى كنف أسيادهم الترك ، ومن بعدهم الطليان واليهود.. واليوم يقولون بأنهم هم وحدهم، من بنوكِ من رماد، فوق من سبخة من ملح!،، هكذا سطّروا تاريخكِ المجيد، هكذا ردّوا جمايلك، يا بنغازى!..

وناهيكِ أيضاً.. عن أعوام سود من دكٍّ وكرٍّ وفرٍّ لفيالق اسطورية، وانسحاباتٍ ماراثونية.. أثناء الحرب الكونية، الثانية؛.. عندما يقصفكِ، الحلفاء يوماً.. لتعود وتقصفكِ قوات المحور فى اليوم الذى يليه، أوّ بعد الذى يليه.. وهكذا دواليك، كنتِ ما بين المحورين الكونيّين.. ومع ذلك ما حسيتى حدّ!

هكذا حدّثتنى والدتى يرحمها الله، عندما قالت: ” بنغازى واخذه عالقهاير يا ولدى.. لكن عمرها ما حسّت حدّ”.. قالتها، بعدما سمعت أنّ عبدالسلام اجلود هدّد أن لو كان بإمكانه نقل المدينة الجامعية والمدينة الرياضية من بنغازى، لنقلهما على الفور!

هكذا كانت، وهكذا لازالت بنغازى.. مازالت ما تحسّش فى حد.. ولو كان فرعون مصر الرمسيس الثانى حتّى الرمسيس السادس، أو الخليفة أو الوالى العثمانى، أو الدتشى الطليانى، أو ملك ملوك الطغاة أجمعين!..

بنغازى عمرها ما خافت من حدّ.. ولا عمرها نافقت حدّ.. ولا تملّقلت لأحد، حتّى لملك ورعٍ رشيدٍ، إسمه إدريس.. وهذه حقيقة تاريخية.

غرسيانى ويـن؟.. بوشفشوفه ويـن؟.. إسألوا التاريخ عن بنغازى؟

فهي بنغازى فقط.. الحزينة/ المُهمّشة/ المُهملة/ المُعاقبة دوماً/.. ربما..

لكنّها العصيّة دوماً. فهى عاصمة الغضب، وعاصمة الكفاح، وعاصمة التحرّر، وعاصمة كلّ الثورات..

وهذا وحده، يكفيها..

فلا تمنّوا عليها بعاصمة ثقافية أو إقتصادية.. أيّها المتسلّقون السذّج.. فهى عاصمةُ لليبيا، دستوريّاً..

وهى العاصمة الأبدية للحريّــــة، فعليّاً.. وأبديّاً..  وهذا وحده يكفيها.. فمن غير جميلكم، هى فقط : بـنـغـــــــــــــــازى.

” محـطـات ليـبيـة ” سلسلة مقالات بدأت فى نشرها عام 2005 وتوقّفت عن كتابتها فى بداية عام 2008. غير أننى اشتقت لها مؤخراً.. لأنّها تُغنيني عن كتابة مقالات مطوّلة لا أطيقها ولا أتقنها.. فأكتفى من خلالها بالبثّ عن رأي مُختصر عنما يجرى فى بلادنا من أحداث.

(**) فليغفرلى الشاعر المبدع نعيم الزوي.. عن تغيير كلمة (العرب) بكلمة (الوطن) فى بيته الذى اقتبسته أعلاه

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً