هل فرض الرسوم على أساس تحويلات النقد الأجنبي يعتبر تخفيضا لقيمة الدينار؟

هل فرض الرسوم على أساس تحويلات النقد الأجنبي يعتبر تخفيضا لقيمة الدينار؟

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

لا شك أن أهمية النقود في الاقتصاد الوطني، هي تقديم خدمة التثمين بين السلع والخدمات المختلفة ذات المنافع المختلفة، حتى أن صفة الثمنية أصبحت لصيقة بالنقود المستقرة في قيمتها، وصفة الاستقرار تتحقق عندما تكون القوة الشرائية لوحدة العملة (دينار مثلا) تساوي كميات متساوية من المنافع، من مختلف السلع، رغم إختلافها من حيث الوزن أو الحجم، لأنه في تصور بعض آلإقتصاديين أن السعر يعتمد على المنفعة فقط. ورياضيا : إن القوة الشرائية للدينارللسلعة س (ق ش د\س ) هي مقدار  قيمة الدينار، مقسومة على سعر السلعة س (ع س)، أي (ق ش د\س= 1\ع س)، وكذلك (ق ش د\ص= 1\ع ص).

لو كان ع س=2 دينار للكيلو، ع ص=4 دينار للكيلو لأصبحت (ق ش د\س=0.500 كغ)، و(ق ش د\ص=0.250 كغ). وعند التوازن النقدي في السوق النقدية (عدم وجود سوق موازية)، فإن القوة الشرائية لوحدة النقود (دينار) للسلعة ستكون متساوية للقوة الشرائية من السلعة ص، وإن إختلف وزنهما ،لأن الوزن يعتبر مقياسا لمقدار وحدات المنفعة التي يمكن إستخلاصها أو إمتصاصها من السلعة س،وبالتالي يكون التناسب طرديا بين وزن السلعة وكمية المنفعة المستخلصة منها.

إذ يمكن افتراض أن كمية المنفعة الحدية للسلعة س تساوي خمس وحدات، وكمية المنفعة الحدية للسلعة ص تساوي عشر وحدات لشخص معين .وباستخدام توازن المستهلك وفق نظرية المنفعة (مفترضين 1-ثبات مستوى الدخل ، 2- ثبات أسعار السلع ألأخرى، 3-ثبات أذواق المستهلكين) تكون معادلة توازن المستهلك كما يلي:

م ح س\ع س = م ح ص\ع ص=………………. =م ح ن\ع ن = م ح ن،  لأن ع ن=1.

وهذا يعني أن (المنفعة الحدية للسلعة س مفسومة على سعرها) = (المنفعة الحدية للسلعة ص مقسومة على سعرها)= (المنفعة الحدية للسلع الأخرى ك في موازنة المستهلك مقسومة على أسعارها)= (المنفعة الحدية للنقود مقسومة على سعرها الوحدة) أي وفق مثالنا موضوع الإفتراض (5\2 = 10\4 =م ح ن =2.5 وحدة منفعة)، فيحصل التوازن في السوق بين رغبات المستهلكين في المنافع الحدية في جميع السلع، بما فيها المنفعة الحدية لوحدة النقود، رغم أن النقود لا توجد لها منفعة في ذاتها، ولكنها تقوم بخدمة جليلة وهي تسهيل عملية التبادل بين السلع المختلفة، مما يبررتعويضها بمكافأة في ألإقتصاد التحليلي مقابل تغطية مكونات التكاليف المصرفية في العمل المصرفي، بينما تعتبر هذه المكافأة من الربا المحرم عند أغلب علماء الشريعة ألإسلامية، وذلك بسبب خلاف أثر ألإبهار النقدي على الجانبين.

الرسوم الجمركية

في العادة تقوم الحكومة من خلال وزارة المالية بفرض ضريبة على السلع المستوردة من الخارج، إما لغرض تمويل الموازنة الحكومية، أو لحماية سلعة صناعية محلية من المنافسة ألأجنبية القتالة.والرسوم الجمركية هي مصطلح مماثل للضريبة الجمركية أو التعريفة الجمركية. والتعريفة الجمركية هي نسبة مئوية من قيمة السلعة المستوردة، تتسم بقابليتها للتحويل إلى المستهلك من قبل التاجر، فتكون زيادة في سعر السلعة السوقي. وبالتالي تكون العلاقة طردية مباشرة مع التضخم ألمحلي، الذي أدي إلى إنخفاض سعر صرف الدينار من خلال إنخفاض قوته الشرائية، وبالتالي تكون العلاقة عكسية غير مباشرة، بين زيادة التعريفة الجمركية ، وآنخفاض سعر الصرف للعملة الوطنية بالنقد الأجنبي.

أما بالنسبة للرسوم التي تفرضها الدولة على تحويلات النقد ألأجنبي مثل ما حصل بشأن تمويل ألإنفاق على الجهاز التنفيذي للنهر الصناعي، أو المزمع عمله من قبل حكومة الوفاق بفرض رسوم نحو 400% من سعر صرف الدولار، لغرض تمويل العجز في الميزانية ، فيكون هذا الربط لصيقا بالنقود، لأنه لصيق بسعر الصرف، وبالتالي تؤدي هذه ألإجراءات إلى سرعة تحصيل التمويل من جهة، وآنخفاض القوة الشرائية للنقود من جهة أخرى، دون زيادة في عرض النقود، لكن سيزداد عرض النقود فيما بعد بسبب التضخم المتوقع من تلك ألإجراءات. ومنه يمكننا ألإجابة بالتأكيد أن فرض أية رسوم محسوبة على أساس تحويلات النقد ألأجنبي أو ألإعتمادات المستندية، تعتبر تخفيضا لقيمة العملة الوطنية، ولكن ألأهم من ذلك هو مراعات ظروف البلاد من جهة ، وأهمية المقاصد للإقتصاد من جهة أخرى.وأنا أختلف مع صندوق النقد الدولي الذي يعتبر هذه ألإجراءات ، وكذلك إزدواجية سعر الصرف غير ملائمة في السياسة النقدية، أتفق معه بشأن البلاد المتقدمة لقوة إقتصادها،ولكن بالنسبة للبلدان النامية وجب أن تأخذ بالسياسة الفعالة التي تحقق المقاصد ألإقتصادية. ذلك لأن البلدان النامية في الغالب مربوطة بوحدة حقوق السحب الخاصة، أو بأحد العملات القابلة للتحويل، أوبسلة من العملات ألأكثر تداولا معها ،ألأمر الذي يعني أن إرادة هذه البلدان منقوصة لعدم قدرتها على التحكم الكامل في إدارة سعر صرف عملتها،لذلك من آلأفضل أن تنصح هذه البلدان بآختيار ألأفضلية الثانية في ألإقتصاد للمصلحة الوطنية،ولو كانت على حساب أحد ألمبادئ ألإقتصادية.علما أن ألأفضلية ألأولى في ألإقتصاد هي ألإلتزام بآلمبادئ ألإقتصادية.

 إذ كثيرا ما ترغب الحكومة في تمويل عجزها الجاري بإيراد سريع التحصيل من خلال آلإعتمادات المستندية، فتلجأ الحكومة إلى فرض ضريبة جمركية على قيمة ألإعتماد المستندي ( قيمة السلعة أو الخدمة المستوردة )، ويتم سدادها عند إطفاء ألإعتماد المستندي، قبل خروج البضاعة من مخازن إدارة الجمارك كما يجب ، ولكن الواقع كان قبل ثورة 17 فبراير 2011 كان في الغالب أعضاء اللجان الثورية التابعون للشركات العامة، يمارسون الضغط على إدارة الجمارك والمصارف التجارية، فيخرجون البضاعة دون دفع قيمة المستندات الدالة على ذلك، مما يضطر المصرف إلى تسجيل قيمة الستندات دينا على الشركة العامة وهي غير جديرة بذلك.

إن آلأصل في السياسة المالية بشأن هذه ألإجراءات هو أن تفرض الحكومة تعريفة جمركية زيادة عن تكلفة السلعة عند وصولها ميناء البلاد ( CIF أي التكلفة +التأمين +النقل)، فتكون هذه التعريفة تكلفة أخرى للتاجر المستورد بالإضافة إلى أية تكلفة محلية أخرى،يسهل نقلها إلى المستهلك، وفق درحة مرونة الطلب الفعال على هذه السلعة في حالة المنافسة الممكنة،ولكن في حالة وجود ألإحتكار أو أية هيمنة أخرى،مثل الجشع وآنعدام القناعة وغياب الرقابة الحكومية، فإن التاجر هو الذي يحدد ربحه عند حده ألأقصى الممكن, وبالتالي فإن إتخاذ هذا الإجراء كسياسة مالية، قد أدى إلى زيادة التضخم كأثر سيء في ألإقتصاد مقابل الفائدة المرجوة من تمويل الميزانية،ويكون هذا الإجراء لصيقا بسعر السلعة وبعيدا من السياسة النقدية،ومن أدواتها أيضا، ومنها ألإعتماد المستندي الذي يعتبر الجانب النقدي لتلك الصفقة التجارية. لكن لو تمت ممارسة تحصيل الرسوم الجمركية من خلال الإعتماد المستندي لآعتبر آلإجراء لصيقا بالسياسة النقدية، لأنه في مجالها، إذ تحديد نسبة معينة إجبارية من قيمة ألإعتماد المستندي يدفعها المستفيد ، تعتبر من السياسة النقدية، والنسبة آلأخرى المسموح بها كإئتمان مصرفي تعتبر هي آلأخرى من السياسة النقدية، وسعر صرف الوحدة النقدية الوطنية بالوحدات النقدية ألأجنبية لتحديد فيمة السلعة، يعتبر هو آلآخر من السياسة النقدية، وبالتالي يعتبر حساب الرسوم الحمركية داخل ألإعتماد المستندي لصيقا بسعر الصرف ،وليس لصيقا بسعر السلعة، لهذا إعتبر بعض آلإقتصاديين، ومنهم صندوق النقد الدولي أن الرسوم التي فرضتها الحكومة الليبية بنسبة 15% على بعض التحويلات بالنقد ألأجنبي، تخفيضا لسعر الصرف، مما جعل الصندوق أن يدغط على الحكومة الليبية لخفض عملتها بنفس النسبة في يونية 2003 .مما لا شك فيه أن وزارة المالية قد تدخلت في مجال السياسة النقدية ( ألإعتماد ألمستندي) لتسريع إيراداتها دون حساب أضرارها.

ويظهر أن المصرف المركزي آنذاك لم يوافق على هذا ألإجراء، فآستصدرت الحكومة قانونا من قبل مؤتمر الشعب العام في الثمانينيات من القرن السابق، ليسمح للحكومة القيام بمثل هذا ألإجراء. لتمويل خدمة عامة جديدة مثل توفير مياه الشرب ومياه التنمية الزراعية ، للتتخفيف من عجزهما المستمرين والملحين في آلإقتصاد الليبي منذ فجر ألإستقلال.ومن يدري ربما كان مصرف ليبيا المركزي صائبا في إجراءاته، عندما ألغى رسوم النهر الصناعي البالغة 15% من بعض تحويلات النقد ألأجنبي،ومحق آثاره بتخفيض قيمة الدينار بنسبة 15% في يونية 2003. وبالتالي يعتبر قانون مؤتمر الشعب العام المذكورمنسوخا بإحراءات المصرف المركزي والدولة على المستوى الدولي من جهة،وصدور القانون رقم (1) لسنة 2005 بشأن المصارف من جهة أخرى. ولكن من وجهة نظري أراه سليما إذا كان أصحاب التحويلات يصعب عليهم نقلها إلى المستهلك من جهة،وأن النسبة في هذه الحدود،أو أقل بالقدر الذي يكون أثرها غير ملموس وغير مضرللإقتصاد الوطني .

  وللأسف صندوق النقد الدولي ينظربعين واحدة للعالم كله، والعالم يختلف من حيث درجة التنمية، وبآلتالي من ينظر بعين واحدة للأمور، فإنه يخفق في تحقيق العدالة.وآلواقع الليبي أننا ننظر إلى جميع قضايانا بعين واحدة، حتى أصبحت نتائجنا منقوصة، إن لم تكن غير كفؤة على ألإطلاق.لنسمع أن أهم ألإصلاحات ألإقتصادية تتضمن رسوما جمركية بنسبة تتجاوز 400%، وهي بدون شك تعتبر في هذه الحالة تخفيضا لقيمة العملة الوطنية بنفس النسبة، ألأمر الذي يزيد المشكلة تعقيدا، وليس إصلاحا، إذ المشكل يتموقع في عجز الميزانية الحكومية، وليس في سلوك وحدة القياس التي تقوم العملات القوية الكبرى بتقويم قيمتها يوميا ، ويشيد المحللون باستقرارها الملفت للنظر خلال الفترة ( 2003-2018) ،ولكن العجز قد حدث في الميزانية تأكيدا ، بسبب توقف تصدير النفط وإيراداته وآنخفاض أسعاره الدولية من جهة ، وبسبب التهور في زيادة التوظيف وغلو المرتبات للمسئولين الكبار، ودنوها للبعض آلآخرمن الشعب، مما زاد من إنحراف العدالة من جهة أخرى .إذن العدالة في ليبيا تتطلب ضرب من يفسد إنتاج النفط وتصديره،بدون هوادة،بآلإضافة إلى إحداث العدل بين الموظفين، فتخفض مرتبات المسئولين إلى النصف أو أكثر، لأن الوظائف ذات المسئولية تكليف على أساس الصفة الوطنية ، وليست تشريفا على أساس الجاه و آلمال .

ولكي نكون ملمين بأثر أسعار الصرف للعملات ألأجنبية ذات العلاقة بنا ، وجب علينا تحليلها ودراستها وفهمها.إن أكبر عملتين لصيقتين بالدينار الليبي، هما اليورو ألأوروبي والدولار ألأمريكي،وكلاهما يساهمان بوزن كبير في سلة العملات الخمسة المسئولة عن تقويم وحدة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي.

إذ بلغ وزنها 41.9 للدولار ألأمريكي،و37.4% لليورو ألأوروبي،و9.4% للين الياباني، و11.3% للجنيه ألإسترليني، وذلك في  الترجيح ألأسبق للتقويم الذي بدأ في يناير 2011.علما أنه في اول أكتوبر2016 قرر الصندوق ضم اليوان الصيني إلى سلة الصندوق وتم تحديد وزنه الترحيحي بآلمقدار10.92%، مما خفض من أهمية العملات ألأربعة ألأخرى، فأصبح وزنها 41.73% للدولار الأمريكي، و30.93% لليورو ألأوروبي، و8.33% للين الياباني، و8.09% للجنيه ألإسترليني،وبالتالي لا زالت عملة الدولار ألأمريكي وعملة اليورو ألأوروبي تتصدران السوق المالية قوة وحجما، منذ بداية ألألفية الثالثة.

والجدول التالي يتكون من ستة أعمدة: أولها للزمن بنهاية السنة، والعمود الثاني يوضح سعر صرف اليورومقابل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة،والعمود الثالث يوضح سعر صرف الدولار ألأمريكي مقابل وحدة من حقوق السحب الخاصة في نهاية تلك السنة، أي و(ح س خ)= 1.2753 ييرو أوروبي = أيضا 1.34433دولارأمريكي في نهاية عام 2016 كما يظهر أمام السنة في آخر الجدول. يوضح العمود الرابع سعر صرف الدينار الليبي كوحات ليبية ،مقابل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة، أي عندما ربط الدينار بوحدة(ح س خ) في مارس 1986 كان الدينار الليبي يساوي 2.8 وحدة (ح س خ)، وتأكد هذا وفق المادة 25  من قانون المصارف والنقد وآلإئتمان ، للعام 1993،حيث كان منطوقها( ألقيمة التعادلية للدينار الليبي تساوي 2.8 وحدة(ح س خ)،ولمصرف ليبيا المركزي أن يحدد أسعار الصرف للعملات ألإجنبية، حسب التطورات المالية وآلإقتصادية الدولية والمحلية بما يحقق مصالح ألإقتصاد الوطني).

ثم تعرض الدينار للتخفيض التدريجي خلال النسعينيات،وللتخفيض النهائي ألأكبر خلال عامي 2002 و2003، لتصبح قيمة الدينار الليبي بوحدات (ح س خ) نحو 0.5175 وحدة ثابتة من و(ح س خ) حتى الوقت الحاضر، وهي قد أخذت ثباتها من تحديد قيمتها بالتساوي مع قيمة الدولار القديمة ( 35 دولار تساوي أونصة من الذهب الصافي)، بينما قيمتها السوقية، أصبحت تحت تأثيرالعملات الدولبة المتداولة في السوق، منذ قيام صندوق النقد الدولي بتنظيم سلة من العملات القوية ذات المساهمة ألأكبر في حجم التجارة الدولية وحجم ألإحتياطيات الدولية،ألأمر الذي أصبحت قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة،قد وقعت تحت تأثيرمتوسط التغيرات الناشئة في العملات المتنافسة، للحصول على مستوى من أسعار الصرف أقل تذبذبا وأكثر إستقرارا، وبالتالي أصبحت للصندوق سياسة مميزة في أسعار الصرف أكثر حكمة وأعمق وعيا، مما كان عليه عند سياسة فترة سعرالصرف الثابت،التي كانت تخضع للإدارة ألأمريكية أكثر من خضوعها للسوق المالية الدولية.

ومع فعالية العملات الخمسة في تقويم أية عملة مرتبطة بوحدة (ح س خ) أو مرتبطة بأ ية عملة من عملات السلة المذكورة،تكون هذه العملة دالة في تغيرات العملات الخمسة، وفق وزنها ووفق تداولها معها. إذ يلاحط من العمود الخامس للجدول أن سعر صرف الدولارألأمريكي مقابل وحدة الدينار الليبي ( ع دو\دي ) بلغ معامل إرتباطه نحو 72.8% مع سعر صرف اليورو،مقابل وحدة(ح س خ) أي(ع يورو\حسخ)،وقيمة أقل بلغت 57.2% مع سعر صرف الدولار مقابل وحدة (ح  س خ) أي (ع دو\حسخ). علما أن ليبيا تستورد 38.4% من مجموع وارداتها من دول أليورو، وتصدر لها نحو 77.3% من مجموع صادراتها في عام 2010 ،بينما في حالة مجموع التجارة ككل، تستحود دول اليورو على نسبة 58.3% من مجموع تجارة ليبيا، وآلباقي وهو 41.7% من مجموع التجارة تستحود دول عليه أغلبها تتعامل بالدولارفي تجارتها الخارجية.لكن لو أخذنا تغير متوسط معدل النمو في العملات الثلاث المذكورة، لوجدنا في فترة الجدول ( 1999-2016) أن متوسط معدل نمواليورو(ع يورو\حسخ) قد بلغ بالسالب نحو (3.46)في ألألف (0.00346)، وأن متوسط معدل نموسعر صرف الدولار(ع دو\حسخ)، قد بلغ نموا أقل بالسالب، لم يتجاوز (1.43) في ألألف ( 0.00143)، الأمر الذي يوحي أنه توجد منافسة ملموسة بين العملتين في كسب التجارة،وكانت الغلبة في هذه الحالة لسعر صرف اليورو(ع بورو\حسخ)، حتى أن الرئيس ألأمريكي هدد باللجوء إلى الحماية في حالة غياب المنافسة الشريفة. وبلغة ألإقتصاد ألقياسي إن متغير سعر صرف الدولارمقابل وحدة الدينارالليبي( متغير تابع )، قد بلغ متوسط نموه نحو 5.34% بالسالب هو آلآخر خلال نفس الفترة ، وذلك بسبب تأثره بنمو متوسط سعري صرف اليورو والدولار مقابل و(ح س خ) المذكورين أعلاه. علما أن معادلة الطلب الليبي على عملتي الدولار واليوروهي ( ع دو\دي)(متغير تابع)= دالة في (ع دو\حسخ) و(ع اليورو\حسخ)،وكانت تقديراتها جيدة وكفؤة على مستواها الخطي وغير الخطي، بآستثناء ألإرتباط الذاتي الذي أظهرعدم تأكده فيها عند المستوى 2,5%.ولكن في هذه المعادلة قد أظهر سعر صرف الدولار بالدينار مرونة قوية بلغت نحو 4.0 مع (ع دو\حسخ)، ونحو 5.6 مع (ع اليورو\حسخ)في المعادلة غير الخطية، وبمعدل مرونة أعلى قليلا، ليكون 7.3، و8.5 غلى التوالي في المعادلة الخطية.

ومن جهة أخرى ،إن فرض رسوم بنحو 400% على التحويلات التجارية والشخصية، يعتبر تخفيضا لقيمة الدينار الليبي بنفس النسبة، وبآمتياز. وبالتالي فإن العمود السادس هو الذي يتضمن التغير المفاجئ في سعر صرف وحدة الدينار بوحدات من الدولار، أي بقسمة ((ع  دو\دي)\4 )، ليكون سعر الصرف الجديد هو (ع دو\4دي)، أي في عام 1999 1 دينار =2.1645 دو ومنه دي ج=0.541 دو.

بينما في عام 2016 1 دينار =0.73918 دو=73.918 سنت،أي دي ج=18.48 سنت،وبعبارة أخرى إن قيمة الدينار الليبي قد إنخفضت إلى نحو 18.48سنت، أي بنسبة إنخفاض بلغت نحو75%، وهي نفس النسبة التي إنخفضت بها قيمة الدينارالجديد في عام 1999 ، مما يعني من الجانب النقدي أن المتغير التابع في المعادلة السابقة، إن حل محله سعر صرف الدينار الجديد، فإن آثاره ستكون أكثرقوة وحجما، مما كان عليه المتغير التابع ألأول. وبالفعل، إن سعر الصرف الجديد بالدولار لوحدة الدينار(ع دو\4دي) كمتغير تابع قد حقق تقديرات أكثر كفاءة وأعلى قيمة ،في كلا المعادلتين الخطية وغير الخطية،ولكن يوجد بهما ألإرتباط الذاتي، فتم علاجه بالمعدل (رو=-0.115) في المعادلة الخطية، وبالمعدل (رو=0.2) في المعادلة غير الخطية، مكتفين بالحصول على عدم التأكد من وجوده في المعادلتين عند مستوى 2.5%.

أما بالنسبة لمستوى مرونة الطلب على النقد الأجنبي، فإنه زاد زيادة طفيفة في المعادلة غير الخطية، مقابل زيادة كبيرة في المعادلة الخطية (ألأكثر كفاءة على آلإطلاق ) بلغت نحو 82.2% لتكون المرونة نحو 13.3 مع سعر الدولار(ع دو\حسخ)،وزيادة أقل 69.4% لتكون المرونة نحو 14.4 مع سعر اليورو(ع يورو\حسخ).لكن هذا التوسع في المرونات المقدرة، ربما لا يحدث في الواقع التطبيقي، لأن معدلي التضخم المحلي أو المستورد ( ممثلا بالرقم القياسي للأسعار)، يزحفان بعجلة أسرع من عجلة المرونة،وفي هذا الشأن لا ننسى ألإقتصادي السويدي الكبيرجوستاف كاسل صاحب نظرية تعادل القوة الشرائية للعملات المتداولة بين البلدان المختلفة،إذ ربط كاسل سعر الصرف التوازني بين عملتي بلدين، هو السعر الذي يساوي بين قوتيهما الشرائية، لكن وإن كانت هذه العلاقة مهمة وقوية في تغيرها النسبي بين الأسعار المحلية وآلأجنبية، فلا تعتبر المحدد الوحيد لسعر صرف العملة، ولكنه أهمها عند تحديد سعر السوق.  

 إذن يتحقق الواقع في المعادلة: (ع دو\دي)= د( (ر ق ع)ح ،(ر ق ع)ج ).أي أن سعر صرف الدولارمقابل وحدة من الدينار كدالة في الرقمين القياسيين للأسعارالمحلية وآلأجنبية على التوالي،إذ كانت النتيجة في الفترة (1999-2016) أن مرونة الطلب على الدولار في ليبيا أقل من الواحد الصحيح، ليكون نحو 0.72 مع التضخم المحلي، ونحو 0.70 مع التضخم المستورد.ومع هذا لا زلت أعتقد أن هذ المستوى مبالغ فيه، إذا أخذنا في آلإعتبار فئات الشعب الليبي ألإنتاجية كلها، مثل الزراعة، والحرف والصناعة المحلية، التي أصبحت مكونا غير مهم لأنه غير ملموس إحصائيا، بينما كانت طفرة آلإقتصاد النفطي التي خلقت الرواج في ليبيا، فكان مكونها ألأول التجارة الخرجية من جهة، ومكونها الثاني مشروعات التنمية المختلفة، التي تعتمد على التقنية والعمالة ألأجنبيتين من جهة أخرى.وهذان المكونان يهيمنان على ألإقتصاد الوطني، مما جعل مستوى مرونة الطلب السعرية على النقد ألأجنبي  المذكورة أعلاه مبالغا فيها.

وإذا إعتمدنا سعر الصرف الجديد الناشئ من التغير المفاجئ كمتغير تابع (ع دو\4دي)،فإنه لم يحقق كفاءة المعادلة التي حققها سعر الصرف الرسمي (ع دو\دي) السابق ذكرها، بل كانت نتائج التقدير: 1) معادلة جيدة ومقبولة ،ولكن عيبها الوحيد هو وجود ألإرتباط الذاتي ، 2) عولج ألإرتباط الذاتي بالمعدل (رو=0.4) إكتفاء بالمستوى( عدم ألتأكد من وجوده ) فزادت كفاءة معامل التقاطع الثابت بإشارة سالبة، وفي المقابل، إنخفضت كفاءة المتغير المستقل( التضخم المستورد) من أقل من 100% إلى 53.5% أي غير كفؤ إحصائيا،  وبقيت كفاءة المتغير المستقل(الممثل للتضخم المحلي) عند مستوى عال بإشارة موجبة..إذن أين الخلل ؟ هل هو في الرقم القياسي لأسعار الواردات، أم في السياسة الجديدة التي نجهل مقاصدها،والمؤكد فيها هي عبء ثقيل على الشعب غير قادر على تحمله.

الحل عندي حاليا هو مطالبة الباحث بآختيار رقم قياسي لأسعار الواردات يحافظ على كفاءته ألإحصائية ، ومطالبة حكومة الوفاق بالتريث، وزيادة دراسة السياسة المعلنة للإصلاح،وخاصة مع ذوي الرأي ألآخر. 19\9\2018. ولكن سمعت آلآن أن حكومة الوفاق قد حددت الرسوم على بيع النقد ألأجنبي بنسبة 183%، وهذا يعني أن ندفع عن كل دولارما يساوي دولار و83 سنتا، ومجموعها 2.83 دولار، وتكون قيمتها بالدينار الليبي، إذا كان سعر صرف الدولار=1.385دينار اليوم، تكون قيمة الدولار نحو(2.83× 1.385 )= 3.920 دينار ليبي وهو تخفيض لقيمة الدينار بنسبة  292% ليساوي نحو 25 سنتا أمريكيا. يتبع إن شاء الله.

———————————————————–

                 أسعار صرف الدولار والدينار بوحدة حقوق السحب الخاصة

نهاية السنة ع يو\حسج ع دو\حسخ ع دي\حسخ ع دو\دي التغير المفاجئ

ع دو\4دي

1999 1.3104 1.37251 1.57704 2.1645 0.5410
2000 1.4002 1.30291 1.4205 1.8507 0.4630
2001 1.4260 1.25673 1.2204 1.5382 0.3850
2002 1.2964 1.35952 0.6080 0.8266 0.2067
2003 1.1765 1.48597 0.5175 0.7690 0.1923
2004 1.1402 1.55301 0.5175 0.8037 0.2009
2005 1.2116 1.42927 0.5175 0.7396 0.1849
2006 1.1423 1.50440 0.5175 0.7785 0.1946
2007 1.0735 1.58025 0.5175 0.8178 0.2045
2008 1.1068 1.54027 0.5175 0.7971 0.19931
2009 1.0882 1.56769 0.5175 0.8113 0.20282
2010 1.1525 1.54003 0.5175 0.7970 0.19925
2011 1.1865 1.53527 0.5175 0.7945 0.19863
2012 1.1649 1.53692 0.5175 0.7953 0.19883
2013 1.1167 1.54000 0.5175 0.7969 0.19923
2014 1.1933 1.44881 0″5175 0.7497 0.18743
2015 1.2728 1.38573 0.5175 0.7171 0.17829
2016 1.2753 1.34433 0.5175 0.73918 0.18480

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً