لماذا يعارض الليبيون حقي في التعبير؟!

لماذا يعارض الليبيون حقي في التعبير؟!

دأب عددٌ من القرّاء على مناقشة مقالاتي بنية رفض مسبقة، ومنهم من يأتي للنقاش مع فزاعة طيور صنعها لنفسه، يتعارك معها على وقع المقالة، أو يناقشني في تفسيراته هو لا فيما طرحته أنا، وكم تلقّى محرر موقع ليبيا المستقبل الذي أنشر فيه، شتائم قاذعة طالته في شخصه ووطنيته وإيمانه، ودائماً يطالبه البعض بمنعي من النشر لسببين إثنين، أنني أعتدي على الإسلام وأن المجتمع الليبي محافظ وله خصوصيته، وفي زمن ما بعد إزاحة الأنظمة الديكتاتورية، وتوسّع النشر الإلكتروني غير المرَاقب، صار لازماً مناقشة هاتين المسألتين بشكل مفصل.

كيف نفهم الإعتداء على الدين؟!

إن حرية المعتقد وحرية التعبير، يشكّلان معاً حُزمةً حقوقيةً وفلسفيةً واحدة، لا يمكن تجزئتها حسب المزاج والمصالح، والمسلمون مستفيدون من ذلك، ومن مظاهرها بناء المساجد في الغرب، وتشكيل المنظمات والجمعيات لنشر الإسلام هناك، وتنظيم المظاهرات للمطالبة باحترام حقوقهم كأقلية، بنفس الوقت الذي يساندون فيه عقوبة الردة، وتطبيق الشريعة على الأقليات الدينية في مجتمعاتهم، ورفض المسلم مصافحة موظفة البلدية أو رئيسته في العمل لأنها عورة وتُبطل وضوءه، إذ ليس هناك ما يمنع المرء ـ أياً كان ـ حسب القانون المدني الديمقراطي، من المحافظة على تخلفه الفكري والحضاري، شريطة ألا يفرضه على الآخرين، وإذا أردنا أن نقول كل شيء بالخصوص، فإن المسلم يُسيء لغير المسلمين كل يوم، بسبابه المقدس في صلواته حين يصفهم بالضالين، والمغضوب عليهم، وبالكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، وأنهم كالأنعام بل الأنعام أفضل منهم درجة، والمسلم يعرف جيداً ما لذي يُفعل بالأنعام، بدأً من الركوب إلى الإستعمال وحتى الذبح، لكن أحداً لا يجرؤ أن يقول له هذا، لأنه يحترم حقه في العقيدة والتعبير. 
وهنا سأرفع عقيرتي بالسؤال، لماذا تجرح كتاباتي مشاعر القرّاء الليبيين بزعم أنها تُسيء للدين، بينما لا تجرح مشاعرهم أفعال إخوانهم القبيحة والهمجية، كقيام داعش بإسترقاق النساء من القومية الأزيدية وقتل الآلاف من رجالهن لأنهم ليسوا مسلمين؟ ولا تحركت مشاعرهم لمقتل مئات الشيعة في سبايكر، أو العشرات من بنات العشائر السنية بالموصل، لرفضهن نكاح الجهاد، إذ لم أجد مظاهرةً واحدةً من نساء ليبيا، يعلّن فيها استنكارهن لتفشي نكاح الجهاد بشقيقاتهن في سرت ودرنة، ولا مظاهرة بأي مكان هناك تستنكر أياً من جرائم داعش المخجلة.

إن ما أفعله أنا بالكتابة هو ممارسة حقي بالتعبير، دون تحريض على حياة أحد، أو تسفيه من يعارض أفكاري، لأن الإعتداء على الدين برأيي، هو أن أقوم بعمل مادي في العالم الواقعي، يترتب عليه عرقلة عمل يخص الإسلام، كأن أقف بباب مسجد ما وأمنع المصلين من الدخول، أو أحطم صندوق تبرعات لطباعة القرآن، أو أن أنزع حجاب أو نقاب امرأة بالطريق العام..الخ.

إن ما أكتبه لك أيها القارئ الليبي، هو لدفعك للتفكير قليلاً خارج الأسوار العالية، التي بناها الفكر الديني حولك من 1400 سنة بلا تجديد، وصدقني لا توجد عفاريت خلف تلك الأسوار، أو قطّاع طرق يريدون اغتصاب نسائك، ولا مؤامرة من وحش الفضاء يريد إطفاء جذوة الإسلام، فلماذا لا تفكر للحظة أن ثمة خارج تلك الأسوار، عوالم أخرى قد تُشعرك بالدهشة عند اكتشافها، وأنها مليئةٌ بحكايا أُناسٍ تعلّموا الحرية والتمرد دون أن يخسروا معتقداتهم، وتشارِكهم التجربة الإنسانية فتُغني وتغتني، لماذا تخاف من التحديات الفكرية، ويرعبك  الكلام في الدين إلى هذا الحد؟

ماذا تعني الخصوصية التي يريد الليبيون المحافظة عليها؟!

يواجهني القرّاء بأن المجتمع الليبي محافظ وله خصوصيته، وأنني أسعى لتقويض الأخلاق فيه، لكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، فلا يوجد كاتب واحد أو بضعة مقالات يمكنها أن تفعل ذلك بمجتمع كامل، هذه مبالغة ودجل، بالضبط كما لا يوجد شعب يتوقف عن التطور، ويقول أنا لي خصوصيتي، فاليابانيون من أكثر الشعوب الشرقية تمسكاً بهويتهم، لكنهم تحركوا مع الوقت حين دعت الحاجة لذلك، فلم تعد النساء هناك ينتعلن الأحذية الضاغطة على القدمين، لتشوة شكل الرجلين وتعطيهما مظهراً محدداً مع الزمن، ارتهاناً لفكرة قديمة ترى أن المرأة لا تحتاج بحياتها إلا أن تخطو بضع خطوات حول بيتها، لأنها مجرد خادمة لزوجها وأولادها، إن المرأة اليابانية اليوم تنتعل أحذيةً مريحةً، وتستقل قطار الأنفاق إلى العمل مع الرجل، وتصنع السيارات والروبوتات وتقود الطائرة والغواصة، وتبحث عن أدوية للأمراض الخطيرة، لقد خلعت اليابانية حذائها الضاغط، وسارت بهمة على طريق الألف ميل، والمرأة الليبية التي غضبت مني لأنني نعتها بالجارية، وردت عليّ بخشونة مفرطة أنها حرة، فعلت ذلك دائماً باسم مستعار، لأنها تخاف من سيدها الرجل، ولطالما كانت هي المقصودة بالكلام عن الخصوصية.

عزيزتي المرأة الليبية، أنتِ قارئة مزعجة أيضاً كالرجل، الفرق أنكِ اتكالية وعاطلة عن التغيير، ترين نفسكِ مواطنةً من الدرجة الثانية، وتنتظرين أن يتصدقوا عليكِ ببعض الحقوق في الدستور، تصولين وتجولين في بعض الميادين السياسية والمدنية، وأنتِ خائفة من سوط النقد وسيف العادات والتقاليد، وتنتظرين أن يتغير الرجل كي يغيركِ معه، وأن يفتح لكِ باب القفص حتى تخرجي لفضاء الحرية ببركاته، لكن يا عزيزتي، أنتِ لا تدركين أن الرجل الذي يسجنكِ بالقيم الذكورية وأحكام الدين، إنما هو حارس محكوم عليه بالبقاء معكِ في نفس الزنزانة لمراقبتكِ حتى لا تهربين، غاية ما في الأمر أن كل واحدٍ منكما، ينظر للجهة التي تقابله من القضبان فقط، لهذا لم ولن تتقدم مجتمعاتنا، طالما أن نصفها مسجون، ونصفها الآخر مشغول بحراسته، وكان هدف كتاباتي دائماً، أن تمدي يدكِ وتأخذي المفتاح من الحلقة المعلقة ببنطاله، وتفتحي باب الزنزانة وتأخذيه من يده وتخرجين معه للشمس وللهواء، فإن رفض فلتغادري وحدك ولتتركيه يغني للقضبان، أو فيذهب لكوكب العبيد.

إن نظريتي هي أن تحرير الرجل هي مسألة بيدكِ أنتِ، لكنكِ يا عزيزتي صدقتي أن سجنك هو لحمايتك من طبيعتك الشيطانية، وأن الرجال خارج الزنزانة ذئاب مفترسة تنتظرك عند كل منعطف، لكن صدقي أو لا تصدقي، أنتِ لن تصيري عاهرةً خارج الزنزانة كما لن تفقدي أنوثتكِ، والرجل هو كائنٌ محبٌ وكبير القلب، وداعم مهم في رحلة الحياة الشاقة، كما لا توجد مؤامرات ماسونية ستأخذ منكِ الإسلام.

كلمة لابد منها! 

إن حرية التعبير التي لا نعرفها كليبيين، لتفيد أكثر بكثير مما تضر، فمن شأنها أن تخلق أجواءً صحية، يصبح معها إيمان المرء وممارساته الروحية خياراً عقلانياً، بعد مواجهة التحديات الفكرية المطروحة، ليتوقف عن كونه إرثاً من الأبوين يُمارس بجمود وبلادة، ولنتخيل مجتمعنا والكل يكتب فيه بطريقة واحدة ويتبنى نفس الرأي، وليس ثمة رأي واحد مختلف، ولو كان سخيفاً أو حتى غير ضروري، والكل يضع الإسلام على رأسه ويمشي كإنسان آلي مبرمج، هل تعتقدون أن هكذا مجتمع هو مجتمع إسلامي مثالي؟

حسناً، إن الإتفاق على كل شيء هو أمر ممكن، لكن في مستعمرات النمل حيث الغريزة هي الموجهة للنمال، التي تؤدي عدداً محدوداً من الوظائف بنفس الطريقة بكل دورة حياة، أما في المجتمعات البشرية فالعقل هو الموجه لا الغريزة، والعقل يختلف من إنسان لإنسان ومن وقت لوقت ومن مكان لمكان، وكتاباتي أنا التي تتطرق للدين، هي فعل ولاء ومحبة لشعب أنتمي إليه، وأراه يغرق في الفوضى والتطرف وما أقدمه دائماً هو آراء شخصية، فقد تعلمت هذا من خصومي الإسلاميين، الذين أرادوا أن يرغموني على شراء الحقيقة المطلقة، بكل وسائل الترغيب والترهيب الفكري، لأن لديهم دائماً جيوشاً إعلامية ودعوية، لقد أخذوا كل اليقين الموجود في السوق، ولم يتركوا ليّ إلا الظن والتخمين وبعض الشكوك، إن شئتم خذوها، وإن شئتم ردوا عليها وناقشوني فيها، أما من يخاف من استخدام عقله بسبب بعض ما أكتب، ما قد يضطره للشك بمعتقداته أو مراجعتها من جديد، فليغض البصر عنها وعن كاتبتها، وليحسب أن الله لم يخلقها ويخلقني.

أخيراً!

أعزائي القرّاء، أنا لن أشارك في منحكم التخدير الذي يعطيه لكم العاملون في مصانع الأفكار المعلبة، وأعني بذلك شيوخ الفضائيات الدينية والمفتين حسب الطلب، فالعاملون هناك هم رجال كُسالى جعلوا من الدين سلعتهم، يأكلون بلحيّهم كما تأكل العاهرة بثدييها، وقد كانت أصواتكم وأصواتهم عالية جداً معي، تشتم وتكّفر وتشيطن كل كتاباتي، وبعضها اشتكاني لأسرتي لوقف سلسلة بعض المقالات (الإسلام ليس منهم براء)، لذلك اضطررت في بعض المرات، أن أرفع صوتي أنا الأخرى لكي تسمعوا وتفهموا قصدي. 
إفهموها رجاءً، أنا حين أكتب فأنا لن أعيد صياغة كلماتي من محفوظات القرآن، أو الأمثال الشعبية، أو تعاليم جدتي المولودة في 1890، بل سأكتب كلمات امرأة تفكر وتحلم بمنطق هذا القرن، لأن الخلاصة التي وصلت إليها بعد الأحداث الدامية في ليبيا، هي أن قمة الهرم السياسي والديني هناك، ليس من مصلحتها تغيير الأوضاع، لأن منفعتها قائمة على بقاء الفساد والإرتزاق من معاناتنا، كما أن أي تغيير اليوم، يجب برأيي أن يبدأ من الشارع، والمجموعات الصغيرة ستكبر مع الوقت، وأنا أعشق الكتابة ونَفَسي طويل كما ترون، وأنتم حين تطالبون بمنع مقالاتي، فإنكم ترتكبون خطأً مضحكاً، لإن ثمة غيركم من القرّاء الليبيين وغير الليبيين، ممن يتابع كتاباتي ويتفاعل معها بإيجابية عالية، فلا تحاولوا احتكار الساحة لكم لأنها من زمان صارت تتسع لكل التوجهات، ولإن مَنَع الأمين أو غيره نشر مقالاتي، فسأفتح موقعي الخاص بالبلاش وأنشر منه، وإن قمتم بقرصنته فسأفتح غيره دائماً، وإن أسكتموني أنا فلن تسكتوا المئات من الأصوات الشابة الجديدة، ممن يؤمنون مثلي بأن الثورة قد بدأت الآن فقط.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 4

  • محمد التركي

    سؤال أوجه الي الأستاذة وفاء ،مع كامل الاحترام لحقك في التعبير وبعيدا عن التجريم والاتهام اسمحي لي ان اسأل بما انك توجهين كثير من كتاباتك حول الدين هل نقدك وماتطرحينه من أفكار هو موجه للدين في ذاته واقصد هنا الاسلام ممثلا في نصوص القرآن او السنة او في فهم بعض المسلمين لهذه النصوص وللإسلام وتطبيقاته خلال تاريخ الاسلام ،فقط ليكون اي نقاش وحوار لما تطرحينه محددا ومؤطرا ومتسلسلا يمكن الخروج منه بآراء واستنتاجات تفيد المتابعين لآني أحسبك تحملين رسالة إعادة التفكير في الموروث الديني وربما الاجتماعي .واسمح لي ان أبدي راي في مفهوم الحرية في التعبير حين تتعارض مع ثوابت اي مجتمع ،في اوروبا لا يستطيع احد ان يكتب عن محرقة اليهود بصيغة تشكيكية وهناك مساعي تفرض قيم ومفاهيم جديد للزواج والأسرة حتي علي المتدينين والذي يبدو تطرف فكري لاديني تجاه من اختار التدين تحت مبرر الحرية وتجدد المفاهيم والقيم ،فأين هي حدود حرية التعبير ؟

  • USAMA

    كاتبة جيدة من حيث الاسلوب والربط.. اما الان فاليك تعليقي…لن اشتم ولن اناقش كما واني لن اذكر لك أيات من
    القران الكريم لاحاججك بها فبالرغم من اجادتك للغة العربية الا ان للقرأن لغة تتجاوز الحرف الذي تجدين رسمة
    واستعمالة ..لغة لاتدرس ولاتكتسب بالمخالطة..لغة لاتفهم الابترجمان يتحدث جميع اللغات بجميع لهجاتهه
    ..ترجمان نولد به جميعا..رجالا ونساء بيضا وسودا اعرابا وعجما….لن اطيل عليك…انه القلب …فارجعي اليه
    لعله لازال يستوعب تلكم اللغة..فان لم يكن..فاني اقترح عليك حينما تحط بك الرحال في نهاية ظلمة ما انت سائرة
    اليه واذا ما اردتي حينها كتابة مذكراتك..اقترح عليك بان تعنونيها بي”الركض الى السراب”.

  • بولبيض الجراري

    اقسم بالله ان هذا الكلام لا يصدر من هذه الكاتبه عينها إنما هو موسوم باسمها ومن فعل وكتب ذلك يدرك جيدا ماذا يريد
    ولكني اقول له ولهذه البلهاء المستعمله
    يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون
    ايتها البلهاء والعجوز الشمطاء اكتبي ما شئت بل قومي واصرخي سينجر خلفك من هم على شاكلتك ويصرخون مثلك لن تأخذي الا نصيبك منا ستستفيدين بهم وتستمتعين ولكن اقول لك ايضا
    يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره المشركون
    هذا لك ولمن استعملك

  • لو امتطيتي حصان عربيا في يوم من الأيام لتغير لغة الكتابه

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً