المبادرة الحوارية للجاليات الليبية (1)

المبادرة الحوارية للجاليات الليبية (1)

لا أذهب الى المحروسة، قاهرة المُعز إلا نادراً، كانت زيارتى الأولى لها مع خالى فى 1968، عندما كان سُكانها حوالى خمسة ملايين وسيارات قليلة بالشوارع الرئيسية وتكاد تخلومنها الفرعية، يقال قاربت الآن الثلاتين مليون!.. بدعوة من دار نشر عالمية لعدد من الكُتاب العرب كنت من بينهم، زرتها لحضور معرض الكِتاب بالقاهرة، ولظروف خاصة، لم أحضر الأفتتاح مع المجموعة المدعوة كما كان مُبرمجاً، فغَرَدتُ خارج السرب، بحضورى لوحدى يومي المعرض الأخيرين، وأبقى الداعين مشكورين على عهد ضيافتهم، متكفلين سفراً وأقامة.

لأول مرة أزور المعرض طوال دوراته الـ 46!، وأن سُررت بكم المعروض من الكتب، صُدمت برؤية حال أرض المعرض.. تخال نفسك بقندهار(بمعنى الكلمة)، وبما نكنه لأرض الكنانة من ود ووفاء، ندعوا حكومة مصر، للأهتمام قليلاً بأرض المعرض، إذ غير قيمته الرمزية العريقة، فهو مصدر دخل للبلاد من ملايين من زواره محليين ووافدين، على الأقل برصف الفضائات التُرابية المفتوحة بداخله، والتى تحالفت معها رياح شديدة بتلك الأيام، حتى أصبح الزوار لا يكادون يرون بعضهم!.. رأيت لوحة كبيرة، بألوان مُشكلة، يوجهها القائمون على المعرض للحكومة، تقول “أنقذونا”.

لم ألتقى ليبيين من المقيمين هناك إذ لا وقت، عدا صديقين من قرائى المواضبين، صادف وجودهما بالقاهرة، وكأى ليبيون يلتقون فى أى مكان هذه الأيام، يتجه الكلام فوراً الى ما تعيشه بلادنا المنكوبة منذ أواخر 2012 وألله أعلم الى متى؟..دارالكلام حول ما جاء بأحد مقالاتى، عن وصول عدد الليبيين بالخارج الى 4 ملايين مُهَاجِر فى كل أسقاع الدنيا، بما فيها إريتريا! (أتصل بى صديق من هناك!).

جُل الناس ومعهم الأعلام، دآبوا منذ 2012 على ذكر رقم 2 مليون مُهَاجِر (وكأنه ثابت لا يتزحزح، فيزيد)لم يُكلف آحدٌ نفسه بتأمُل طوابير النازحين الى أقرب بلد مجاور، عبر كل بوابة خروج برية على طول دائرة الحدود الليبية، ومن كل مطاراتها، نحو الجهات الأصلية الأربعة، تُجاه أسقاع الدنيا وعلى مدار الساعة، طوال 4سنوات، أى حوالى 1500يوم، كفيلة بتهجير عشرات الملايين وليست فقط 4منهم؟!.

كأنى بآحد زوارى يود تبريرٌ منطقىٌ منى لرقم الـ 4 مليون، ولتتطمئن قلوب زائريا بالقاهرة، وكذا كل قرائى، وأعلاميونا، وكل الليبيين العاديين منا والحذاق، وأصحاب الشرق الجديد، بدأت معهما الجَردة الحسابية (وحيدة، وحيدة)، مُبتدئاً بما أعلَنَتهٌ الداخلية التونسية منذ شهرين تقريباً، بأن الليبيين المُسجلين كمقيمين بتونس، غير سُياح المُتعة والعلاج وعابرى سبيل مطار جربة، وصل 1.8 مليون ليبى بالتمام والكمال، والرقم فى إزدياد بشكلٍ يومى.. بالخصوص ولمن لم يطلع على مقالى (تونس الخضراء).

فى المغرب ومنذ بداية2013، اُعلن عن حوالى 300 ألف مقيم ليبى، غير العابرين، الأعلام المصرى ردد حوالى 1.5 مليون ليبى مقيم، ولكن بما أن الرقم غير رسمى، فلنحسب فقط مليون واحد، فهاته ثلاتة ملايين ومائة آلف (على.. آقل.. تقدير)، يبقى 900 ألف لنصل للـ4 مليون ولا نُطالب بأن يكون أكثر.

آلا يوجد رقم الـ900ألف، موزعاً بأسقاع الدنيا على: الجزائر، النيجر، تشاد، السودان، غانا، يوغاندة، جنوب أفريقيا، الـ6 دول الخليجية، لبنان، الأردن، دمشق، ماليزيا، تركيا، أوربا الشرقية، كل الدول الأوربية الـ 27، أمريكا الشمالية والجنوبية..ألخ (تأكدت من وجود مهاجرين ليبيين بكل تلك الدول)، بل سمعت بمن توجه الى غزة! فضلاً عن عدد كبير توجه الى دمشق.

الـ2 مليون المُتبقين داخل ليبيـا هم ايضاً فى غالبيتهم مُهَجَرين داخلياً، إما بشكل جماعى مثل تاورغاء والمشاشية، وجميع مُدن ورشفانة..وبشكل جزئى الحزينة اُم الثورة مدينة بنغازى، التى بعد أن كانت رباية الجميع، جعلت منها إبنتها فبرايور (قزينةٌ حزينة) (أنمَا أموَالكُم وأولاَدكُم فِتنَةٌ وَاللهُ عِندَهُ آجرٌ عَظيمٌ) .

نعم بنغازى ما غيرها اُم الليبيين طالتها الهجرة!، تتكررعبارة الزمن الردىء، وهاهو فعلاً زمن ردائة الثورات، ولم ترحم الهجرة أهل حبيبتنا الأخرى سبها، التى قاربت أن تتلاشى تماماً وتصبح أثراً بعد عين، حتى أن كُتابنا وأعلاميونا (الكبار!)، مثلهم مثل بيرناردينو، لايزورونها ولا حتى يذكرونها كثيراً، وأن صدحت سبها كفيروز”زورونى كل سنة مرة”.

وليس لنا أن نغفل هجرة أهل أوبارى وقيرة وتراغن وما حولهما، ومنطقة الجُفرة، وأغلب مدن الغرب وخاصة العجيلات والجميل، واُخرى بجبل نفوسة كالرحيبات والأصابعة وككلة.. الخ، من كل ما ذكرت من مدن لا يقل المُهَجَرين منها داخليـاً (وعلى.. أقل.. تقدير) عن المليون ونصف!، أغلبهم دَلف الى أحشاء طرابلس المهترئة أصلاً.

وحتى لا اُناقض نفسى، كرافض لتخوين أى ليبى، فأننى وعلى الأطلاق لا نُخَوِن مئات الآلاف، مماً يرون فى أنفسهم ثوار جديرين وحدهم ببناء وقيادة دولة ليبيـا وإن كانوا يحبون ليبيـابالغلط، ونحن لا نراهم إلا جزءٌ أصيل من مُكُوِن المجتمع الليبي، مُقرِينَ بحاجتنا لهم، وأن رأى بعضهم ليبيـا أحسن لهم بلانا.

إذاً مجموع الليبيين المُهجرين فعلياً، هم 4مليون بالخارج + 1.5 مليون بالداخل= 5.5 مليون ليبى، لا يعنيهم على الأطلاق، زنين(نحل)الثنى ولا الحاسى، ولا أنتخابات برلمانية حالية ولا قادمة، وليسوا فى وارد دستورالتترهـُـــنــــا، ولا حكومة ائتلاف ليون، ولا بو سهمون ولا حنون.

ومن موقع الوطنية هذا، أدعوا الى مبادرة طاولة حوار كُبرى، بين الـ 5.5مليون ليبى وباقى أشقائهم، يكون مقر الطاولة فى القاهرة وليس فى أى مكان آخر، على أن يحضر ممثلوا كل مناكيب ليبيـا من كل بلد فى العالم، لحضور الحوار بدون شروط على أحد، عدا إيمان كل المُشاركين فى الحوار، بأن، ليبيـا لن تكون، إلا للجميع وبالجميع، وأن الموت وأقله التشرُد متربص بالجميع، لو لم نتافوض، مُهاجرين ومقيمين، ولتنتهى فوراً، ديسكة تفاوض المقيمين، وضحكة تفاوض الجنيفيين المَسـخَرَا.

اننى هنا أعنى ما أقول فعلاً، وأن أقتراحى القاهرة كمقر دائم لطاولة الحوار هو لعدة أعتبارات: أولاً.. لأن عدد الليبيين هائل فيها، وبها كل أطياف الشعب الليبى، ثانياً.. لوجود الجامعة العربية وممثليات كل المنظمات الدولية بها+أن أحتاج المتحاورين الى مشورة أو واسطة خير، فلا أخبر من المصريين فى ذلك عبر التاريخ، أى ما يتوفر بمصر من أسباب قيام ونجاح حوارنا، ما لا يتوفر فى غيرها من أى بلد عربى آخر، فوق أنها ورُغم جراحها، لا تزال آئمن مكان للمتحاورين.

وحيث يتوجب آلا مفاوضات بالداخل، بأعتبار أن ثلتى السكان بالخارج وهم الأغلبية، فليس أمامنا إلا القاهرة، وعلى أقل تقدير، فالبديل الثانى والوحيد  تونس، حتى لا تتحول الهجرة الى لا عودة، ونتساوى مع مُهَجرى نكبة 1948 الفلسطينية على أقل تقدير.

ولا سمح ألله سيتحول خروجنا، كمثل خروج المُسلمين بعد سقوط غراناطة والى الأبد، وهو ما تطرقتُ له دائماً فى مقالاتى، كهدف أصحاب فيل الشرق الأسود الجديد ورأس حربته الربيع العربى الأسود، الذى علمت ببوادره منذ 2002، وتحذثتُ بخصوصه كثيراً، ولكن صُمت الأذان حتى حان ما حان.

إذاً، فلنجلس لوحدنا (فقط ليبيين صافيين) على كراسى عقولنا ونستفيق، فننفض جرودنا، من غبار الأستكانة والسلبية المَقيتة، التى تَمَيزنا بها العرب، والليبيين بشكل خاص، ونتوقف عن تتبع عود دخان قارئة الفنجان، ونتيقنُ بأننا جميعاً مُستهدفين بالقتل وأقله التشريد، وتقسيم بلادنا الى، أقلها ثلاتة.

ولنفقد الثقة تماماً وبنسبة 1000% (إذا جازت المعادلة) فى كل اللذين يلفون حولنا ونلف نحن لفهم، من عجم وأولهم البرناردينوات وحتى العرب، بل ولنحذر حتى حُذاقنا الليبيين، الذين باعونا، وباعوا لنا ساعة البلدية، وقبضوا ثمن رؤسنا واحداً واحداً، قلوبهم مع أصحاب الربيع، وأن كانت وجوههم فالفضائيات معنا، من ذكرت جميعاً، ذاهبون بنا الى الهاوية لا محالا.

ولنكن عمليين، فليبادر/يتنادى، أىُ عددٌ منا (دائماً ليبيين صافيين)، من القادرين على قبول بعضنا البعض، من الوجوه المقبولة من الجميع، مماً وهبهم ألله الحكمة  وحُسن الملافض، وسعة البال، والقدرة على مخاطبة حتى من عاداهم أو اساء لهم (وما أكثرهم لدينا) فيؤسسوا مجموعة عمل بينهم، تبادر للتنسيق والأعداد للحوار العام، ولنُسَمِها مثلاً أمانة الحوار العام الليبى الليبى، أو الهيئة التأسيسية لبناء الدولة الليبية.. أو أى مُسمى يؤدى الى الغاية والهدف.. لنحزم أمرنا فوراً  على التفاوض، وإلا، علينا وعلى بلادنا السلام.

فليكن تفاوضنا الحقيقى المُقترح هنا، تحت شعار توحيد”ليبيـا للكل وبالكل” تستمر، أجتماعاتنا لتقرير كل ما يؤسس لبناء الدولة، من الأتفاق على أسمها  ونظام حُكمها وعَلمها وصياغة دستورها الذى نرى من جانبى أنه جاهزٌ(دستور 51 المُعدل فى 63) مع تعديل بسيط.

أى نبدأ من أين إنتهينا فى 69، ولننسى كما نسينا فعلاً لجنة الترهونى، حيث خيبت آمالنا + أن لجنة ستتينته، ودون تصديق أى أرقام فـُبركت، فهى مُنتخبة فقط من سُدس الشعب على الأكثر؟؟؟!!!، فكيف بالسُدس يسيغُ للستة أسداس، عجبى.

لندعوا الى أنتخاب برلمان ليبى حقيقى، يشترك فى التصويت له الـ4مليون مُهَجر  بالخارج + 2مليون بالداخل بين مُهجر ومقيم، ليكون برلماناً ممثلاً فعلاً لكل  الشعب الليبى، وليس لأقل من سُدسه، مُذكرين بأنه لا يمكن وعلى الأطلاق، لأى عملية تصويت فى ليبيـا لأى شىء، أن تكون صحيحة بغياب 4 مليون ليبى؟، رُغم أننى صوتت للبرلمان الحالى.. فى المستقبل ودون أجراء الأنتخابات بين ال4مليون ليبى مُهاجر، فلن تكون إلا تزويراً وتزييفاً بعينه فى رابعة النهار.

فقط بمشاركة كل الليبيين فى الحوار المذكور، عرب وأمازيغيين، علمانيين وليبراليين فأسلاميين، المُسيطيرين منا الآن والمسطورين، نكون قد أسسنا لمستقبل دولة مُستقرة لكل وبكل الليبيين، خالية من أى ألغام زرعها أصحاب الفيل، بمساعدة الدامعين وجلبة الأعترافات من الحاذقين العررابين لأصحاب أعداء الدين، يمكن لها أن تنسف ما بنيناه مستقبلاً.

فلا حل إذاً، إلا بضمان مشاركة كامل نساء ليبيـا ورجالها واحداَ واحداَ، فى بنائها وحُكمها معاً يد بيد، حتى مساجينها والمحكومين بالأعدام فيها والى حين يُعدمون، لهم حق أبداء الرأى، مهما كانت رؤاهم وأديولوجياتهم، وعرقياتهم أو ومذاهبهم، فلهم وفقط فرداً فرداً، الحق فى حكم وادارة ليبيـا متساويين، ولا أقصاء إلا بحكم القضاء.

فلا أحد كائناً من كان، كافرٌ أو مؤمنٌ فى أى مكان أو زمان، يملك تجريد الليبيات والليبيين من ليبيتهم، بسبب رأى أو موقف أو سلوك فتصرف، ومهما طال الزمن وطالت غُربتهم، ولو كانوا خائنين محكومين بالأعدام، إذ يُعدموا ولكن ليبيتهم لا تُعدم، ولاحظ ديمومة بقاء ليبيتهم حتى قيام الساعة عند قولنا، هذا قبر (الخائنة الليبية/الخائن الليبى.. فلانة / فلان).

فليبيَتُهُم كجِلدَهُم أو بمثابة عظامهم، تعيش وتُدفن معهم، ويذكرهم التاريخ بها مجداً أو أنحطاطاً، والى يوم يُبعثون.. ندعو الله أن يُنجِحَ حوارنا المُرتقب بالقاهرة أو لا أقل من تونس، تحت شعار (ليبيـا للكُل وبالكُل)، ويَرُدَ غُربة الجميع، الداخل قبل الخارج، ويحفِضنا الليبيين أخوة مُتحابين، داخلين وخارجين، أللهُمَ آمين، وأللهُمَ قد بَلَغتُ.

الفقيرُ الى حُب ألله، وحُب جميع أخوته الليبيين..

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً