سياق العملية التفاوضية للأزمة الليبية

سياق العملية التفاوضية للأزمة الليبية

نشاهد اليوم تذبذب كبير في سير مفاوضات الازمة الليبية، فما أن يعلن عن جولة جديدة حتي نسمع التصريحات من جميع الاطراف عن إلتزامها ببذل الجهد للإتفاق وحل الازمة، ثم تبدأ المفاوضات بأجواء مشحونة بالأمل والتفاؤل، إلى أن تقترب من الاتفاق، لكنها لا تلبث أن تتعثر وتعود لنقطة الصفر أو المربع الاول كما صرح به أحد أطراف النزاع الرئيسي  منذ أيام قليلة.

فما هي الاسباب الكامنة وراء ذلك؟

وجب علينا العودة قليلا والتعامل مع الموضوع وفق نظرة علمية وموضوعية، إذ أن التفاوض فن بحد ذاته، نمارسه جميعنا يومياً، تنظمه مفاهيم عامة وخاصة وله طرقه وتكتيكاته، تترتب عليها نتائج قد تغير مجرى حياة شخص أو فئة أو شعب، ولربما تغير مجرى تاريخ البشرية برمتها.

أبسط مثال على ذلك، تفاوضك لشراء سيارة، أو مع أصدقائك حول رحلة إلى البحر (زردة)، ومن أكبر الامثلة للمفاوضات متعددة الاطراف التي أثرت في تاريخ البشرية، حسب وجه نظري الشخصية، هي مفاوضات الرسول الكريم مع أهل يثرب من أوس وخزرج ويهود والتي نتج عنها ما عُرف بصحيفة المدينة والتي تضمنت أكثر من سبعين بنداً نظَّمت طبيعة العلاقة بين المهاجرين والانصار ومواليهم وكانت أساس تعايشهم ونجاحهم في تكوين مجتمع اسلامي متجانس، أنطلقت منه رسالة الاسلام، من المدينة المنورة لتعم أرجاء المعمورة.

بصفة عامة هناك نوعين من التفاوض، يسمى  أولهما تفاوض توزيعي والاخر تكاملي، في حالة التفاوض التوزيعي يسعى كل طرف للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب على حساب الطرف الاخر، مثل شخصين جائعين يتفاوضان  على تقاسم  رغيف خبز ساخن خرج لتوه من الفرن، فكل ما زادت حصة أحدهما منه ستنقص تبعاً لذلك حصة الآخر، مما يجعله  يتشبث حتى الرمق الاخير بما يريد وبدون أي أستعداد لديه لمبادلة تنازله بمكسب مستقبلي  من علاقته بالطرف الاخر.

تلعب المعلومات دوراً مهماً في هذا النوع من التفاوض فبقدر معرفة طرف لنقاط الضعف والقوة التى لدى الطرف الاخر، بقدر معرفته لقوة مساومة خصمه و إمكانية  إستخدامها لها ضده، يحدث هذا النوع من المفاوضات عادة حين لا توجد معرفة مسبقة بين طرفي المفاوضات أو لا تهُمَّهما بناء علاقة مستقبلية  طويلة المد بينهما.

في النوع الثاني من التفاوض وهو التفاوض التكاملي، والذي يقوم فيه التفاوض على طرح خيارات خلاقة بدل التركيز على حجم التنازلات المؤلمة من الطرفين، أي أنه يقوم على مبداء (أربح… أربح) للطرفين، وذلك  بمراعاة كل طرف لمصالح الطرف الاخر وحصول كل منهما على مكاسب مرضية من خلال نتيجة التفاوض، أي أن كل طرف يحصل على المكاسب ذات القيمة الاعلى ويتخلى عن المطالب الاقل أهمية.

بالرجوع لمثال رغيف الخبز، فلو وجد الشخصين المتصارعين طريقة لمضاعفة كمية الخبز لتصبح رغيفين بدل رغيف واحد، كأن يأخذ أحدهما الرغيف الأول وينتظر الاخر لينضج رغيف آخر ويأخذه، أوأن يتقاسما الرغيف الآول وينتظران (يدخل هنا عامل الزمن) ليتقاسما معا الرغيف الثاني أيضاً، لحلت المشكلة ورضى كل من الطرفين.

أساس عملية التفاوض  الناجح عادة هو  ضرورة وجود الثقة بين أطرافه، ومراعاة مصالح الطرف الاخر، وفهم طريقة تفكيره، ثم الصدق وحسن النوايا، وأسلوب التخاطب الجيد، والاستعداد لتقديم تنازلات مقابل المكاسب المتوقعة من نتيجة التفاوض، ثم وجود الاطراف الضامنة للأتفاق وهو جانب مهم جداً خاصة في الحالة الليبية.

في الحالة الليبية نجد عكس ذلك تماماً، فليس هناك ثقة بين الاطراف المتفاوضة، كما يغلب على الطرفين سمة التعنت، والاطراف الفاعلة في حل المشكلة وهي التشكيلات المسلحة،   ليست ممثلة بشكل جيد في المفاوضات، كما أنه لا يوجد ضامن أو أية ضمانات حقيقية  تجعل أي من طرفين يقتنع بأن الطرف الاخر سيلتزم بناء عليها بما أتفق عليه، إذ أن الامم المتحدة هي راعية للإتفاق وليست ضامنة له. زد على ذلك هناك أطراف لا يريدون للمفاوضات أن تنجح وهم الذين يطلق عليهم أسم  المفسدون لأن لهم مصلحة في إفساد المفاوضات وعدم نجاحها.

يرى الكثيرين بأن مكون فجر ليبيا والمؤتمر الوطني هم والذين يسعون لإفشال الحوار ولكن في حقيقة الامر كلا الطرفين مسؤولان عن تعثر الحوار، إذ أن المؤتمر الوطني لم يحصل لا علي مكاسب حقيقية ولا علي ضمانات لو وافق على المسودة المطروحة، مثلا ضمان عدم ملاحقة قادته جنائياً، (هذا تخوف صرح به مفتي الديار شخصياً في لقاء متلفز) أوضمان حصولهم على تعويضات مالية أو مناصب في الحكومة القادمة أو خلافه، كما أن مجلس النواب متعنت في مطالبه ويريد الاستحواذ على النصيب الاكبر من الجائزة، إن لم يكن كلها.

بالرغم من ذلك، يبقى الحوار هو الوسيلة الانجع والاسلم والاخف ضرراً لحل الازمة، والذي  يحتاج لمزيد من العمل والجهد ولخطوات أخرى أساسية منها بناء جسور الثقة  بين الاطراف المتفاوضة وأبعاد المفسدين و توفير ضمانات حقيقية دولية أو محلية  تضمن لكل طرف حقه وتحميه… لكن لا يجب اضاعة الكثير من الوقت إذ أن معاناة الوطن والمواطن تزداد كل يوم كما أن الاخطار المحيطة بالبلاد داخلياً وخارجياً  تتعاظم كل يوم ويجب علي الجميع إدراك مدى خطورة ذلك.

المراجع:

– كتاب السيرة النبوية، للعلامة عبدالملك بن هشام البصري.
– فن التفاوض، إختراق الحواجز في سبيل التعاون، للكاتب وليام أورى
– فن التفاوض، سلسلة هارفارد،  للكاتب مايك بير.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عبدالله بن آدم

    تحليل منطقي ولكنك أفسدته بانحيازك لطرف بدون أسباب وجيهه. المتحاورون جميعا يسعى لمصلحته والغاء الطرف الاخر.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً