تم يوم أمس في الصخيرات المغربية ، و بحضور عدد كبير من أعضاء مجلس النواب الليبي و المؤتمر الوطني العام ، التوقيع على إتفاق من المفترض أن يُنهي مرحلة الصراع بين قطبي الحكم في ليبيا ، و نتج عن ذلك الاتفاق إنشاء مجلس للرئاسة ، يفترض فيه الإعلان قريباً عن حكومة ستتولى إدارة شؤون البلاد ، كما تم تسمية السيد فائز السراج رئيساً للوزراء و رئيساً لهذا المجلس مع التعتيم على تسمية باقي أعضائه رسمياً ، و ظهور تسريبات عن خلافات حول اسمي ممثلي الشرق و الجنوب فيه ، مما أخَّر إعلان أسماء باقي أعضاء هذا المجلس.
يبدو أن هذا الاتفاق قد توافق مع بنود مبادرة فزان والتي تضمنت زيادة عدد المجلس الرئاسي إلى تسعة أعضاء ( رئيس وزراء + ثمانية أعضاء ) ، مع ضرورة إتخاذ قراراته بالإجماع ، و منح جميع أعضائه حق النقض أو الفيتو على قرارات المجلس الحساسة ، مثل تسمية الوزراء أو تنحية قائد الجيش الحالي و تنصيب بديل له إذا رأوا ذلك ، مما يُصَعِب مهمته من جهة ، ولكنه من جهة أخرى يمنح الفُرقاء الامان ، بحيث يتمترس كل منهم خلف صوت ممثله الذي يحمي مصالحه.
يبدو أن المجلس الرئاسي سيعمل كبرلمان مُصغر ، و يعتبرالإعلان عنه يوم أمس كما قراراته ، نافذه و دون الرجوع لأحد ، وقد أكتسب شرعيته من الامم المتحدة والمجتمع الدولي ، والذي إعترف به ورحب به مباشرة بعد التوقيع على الاتفاق ، كذلك ممن حضروا ووقعوا من النواب و أعضاء المؤتمر الوطني ، مما يقلص كثيراً من دور مجلس النواب و المؤتمر الوطني في سياسات الدولة الليبية المستقبلية.
يطمح الليبيون و يأملون من هذا الإتفاق أن يُنهي حالة الانقسام في البلاد ، و أن ينتهي بتشكيل حكومة تُعنى بفرض الامن و تحسين الاوضاع الانسانية و المعيشية لهم ، بينما يريد الغرب من هذه الحكومة أن تحارب الارهاب متمثلا في تنظيم الدولة الاسلامية ، و إيقاف سيل الهجرة غير الشرعية ، كذلك إعادة تزويد أوروبا بالنفط الليبي وعودة شركات النفط الاوروبيه كأيني غاز وتوتال وريبسول للعمل في ليبيا.
يبدوأنه لن يكون تنفيذ هذا الاتفاق سهلاً ، فهو و إن إستُقبل بترحيب دولي كبير و بتأييد من الموقعين عليه ، إلا أن رئاستي مجلس النواب و المؤتمر الوطني وعدد لا يستهان به من النواب و أعضاء المؤتمر يرفضونه ، هذا وسط صمت من حكومة الإنقاذ و الحكومة المؤقتة التابعة لهما ، كذلك من الميليلشيات ، وحالة من الفتور والترقب في الشارع الليبي ، ربما مردّها لعدم محاولة السيد السراج حشد الدعم الشعبي لمجلسه قبيل الإعلان عنه ، فيما لم يُعرف بعد من أين سيباشر هذا المجلس و حكومته مهامهُما .
في مقابل ذلك ، يبدو أن الإعداد للتدخل العسكري المباشر في ليبيا قد وصل إلى أشواط متقدمة ، مع وصول أفراد من القوات الامريكية إلى قاعدة الوطية غرب البلاد يوم الإثنين الماضي ، وإنتشار صورهم عبر مواقع الانترنت الإخبارية ، و إعلان حكومتهم بأن هذه ليست الزيارة الأولى التي قاموا بها إلى ليبيا ، و كذلك مع تلميح الحكومة البريطانية على أستعدادها لإرسال ألف جندي بريطاني إلى ليبيا سينضمون إلى خمسة آلاف آخرين من أيطاليا ، في تسريبات تحدثت عنها صحيفة لا ريبوبليكا الايطالية منذ عدة أسابيع خلت.
ستكون الايام القادمة فاصلة في تاريخ ليبيا ، والتي آمل أن ينجح المجلس الرئاسي فيها في مهمته ، و أن يستفيد من تجربة و أخطاء الحكومات السابقة ، وأن يتمكن من تحقيق طموحات شعبه و التعامل مع مطالب الغرب الجادة و الملحة ، والذي يجب أن يحصل منه في مقابل ذلك على أكبر دعم ممكن لمؤسسات الدولة للنهوض بها ، دون التفريط بالسيادة الليبية.
كما أنه لا أحد يود تكرار المشهد الافغاني في ليبيــا ، حيث تم في مؤتمر بون في ديسمبر سنة 2001 ، تنصيب السيد حامد كرزاي كرئيس لأفغانستان ، ذلك عقب إجتياح قوات حلف الناتو لها، و قد وافق حينها السيد كرزاي رسمياً على التدخل العسكري في بلاده ، ثم لم تتم أستشارته كثيراً فيما يقوم به الحلفاء بعد ذلك من أفعال.
أدعو لعدم الافراط في التفاؤل ، كما أدعو الاطراف الممانعة للإتفاق أو الرافضة له بالتعقل ، و بعدم جدوى مُعاندة الغرب ، و بأنهم قد أخذوا فرصتهم الكافية و أستنفذوها ، و أن ليبيا لا تحتاج لتجربة أخرى مريرة كالتي خاضتها في سنة 2011 ، و أن ينظروا للأمر بنظرة لا غالب ولا مغلوب ، و أن ليبيا فوق الجميع ، وأن هذا الاتفاق لن ينجح إلا بالليبيين و أن الذي سيجني ثماره بالدرجة الاولى هم الليبيون جميعاً.
حفظنا الله جميعاً ووفقنا لما فيه خيرنا
رابط خبر نزول أفراد من القوات الامريكية في قاعدة الوطية
http://www.libyaakhbar.com/libya-news/121355.html
http://www.libyaakhbar.com/libya-news/121548.html
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً