أزمة ليبيــا .. بين الشرعية والبندقية !!

أزمة ليبيــا .. بين الشرعية والبندقية !!

بقلم / امحمد علي هويسة

الأزمة الراهنة في ليبيا ليست كما يصورها البعض بأنها حالة عابرة يمكن تداركها بمضي الوقت .. بل هي أزمة مستفحلة سببها حزمة من التراكمات ستؤدي بالبلاد الى مصير كارثي إذا لم تعالج ويوضع حد سريع لها.. فالدولة الليبية تعاني من اختناقات بالجانب السياسي ، والإقتصادي ، والإجتماعي ، والأمني ، والإعلامي ، والإداري ، والخدمي .. وزاد من تعقيدها أن المسؤول عنها ليس طرفا بعينه ، بل المسئولية تقع على الحكومة والشعب معاً ..

وازدادت الأزمة تعقيداً بعد حادثة الإختطاف (الظلامية ) التي تعرض لها السيد رئيس الوزراء ” علي زيدان ” مؤخراً على يد مجموعة مسلحة ( متهورة ) لاتعي تداعيات وعواقب هذا التصرف الطائش محلياً ودولياً ، ولاتقيم وزنا للشرعية ومصلحة الوطن .. ولم يدرك من خطط ونفذ هذه الجريمة أنهم بفعلتهم هذه قد أساؤا إساءة مباشرة لثورة فبراير ، ولسمعة ومكانة ليبيا بين الدول .

وفي خضم الأحداث السياسية والأمنية المتسارعة بالبلاد ، فإن ظاهر الحال يشير الى أن المواطن الليبي لايحمل بقاموسه شيء يعني المسئولية .. فهو يعاني من أزمة وعي ، ونضج ، وثقافة ، ووطنية ، وإنضباط أخلاقي وديني ( إلا من رحم ربي ) .. والسادة المسؤولين بالدولة لم يستوعبوا بعد خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد على كافة المستويات .. لذا لابد من الوقوف على أصل الحالة وأسبابها ، ومن له مصلحة في تفاقمها ، وأن تسمى الأشياء بمسمياتها دون تمييع أو تعميم .

والتساؤل المطروح يجرنا الى مراجعة ما كانت عليه البلاد قبل ثورة فبراير .. وما هو حاصل الآن !! .

في زمن ” جماهيرية الفوضى” كانت ليبيا كاللعبة بيد حفنة من الهواة والمتهورين يفعلون بها مايشاؤون ، وكأنها ملكية خاصة ورثوها عن أبائهم !! وكنا نعاني من ممارسات أتباع النظام المنهار ، ومايقومون به من تجاوزات ، وخروقات طالت كل شيء بالدولة ، فلم يدخروا جهداً في نشر الفساد بشتى صوره الإداري والمالي وغيره .. بمباركة وتوجيه من كبيرهم – القذافي ـ الذي أتقن التلاعب بأبجديات السياسة ، والإقتصاد ، والتطاول على القوانين ، والدين ، والعرف، وتكبيل الحريات ، وسحق المعارضين ، ومصادرة حقوق البشر ..

تلك حقبة عصيبة ومريرة عاشها الليبيون وتحملوا ما فيها من ذل وهوان ..إلى أن تحققت المعجزة التاريخية بقيام ثورة فبراير المجيدة التي أنهت عقود الخوف والقمع ،واسترد الشعب حريته وكرامته .. ولكن !! هل فعلاً تخلصنا من ذلك النظام الفاسد وأركانه؟! وهل حالنا اليوم أفضل من الأمس ؟!!

الواقع ينفي ذلك تماماً .. فقد زال النظام وبقيت تبعاته ، وانتقلت البلاد من سيء الى أسوأ ، وحجم المعاناة أصبح أشد وأفظع في ظل مخرجات مابعد الثورة من زعامات سياسية مراوغة ، وجماعات مسلحة فالتة ، وعصابات ، وقطاع طرق .. إلخ ، وعادت ليبيا المنكوبة مرتعا للهواة والمتهورين والطائشين مرة أخرى ، ولكن بطرح جديد وشكل مختلف .

حالة من الإنفلات تشهدها البلاد جعلت مؤسساتها تتخبط وتتعطل ، وحكومتها الشرعية تراوح مكانها وتستعطف من لاشرعية له من أمراء الحرب ومرتزقة البندقية ، وانتهت حكومتنا المؤقتة الأضعف سياسيا ، وأمنيا قياساً بحكومات دول الجوار التي طالها الربيع العربي .

إختلطت الأوراق بين الشرعية والفوضى لتفرز واقع متأزم رديء يفتقر لأبسط مقومات الأمن والإستقرار للوطن والمواطن .. واقع طغت فيه الماديات، والمصالح الشخصية ، والجهوية على مصلحة الوطن العليا ، وأصبحت البلاد مسرحاً للتقاتل والتناحر، واستعراض العنتريات ، وساحةً مشرعة لعقد الصفقات المشبوهة بين المرتزقة المحليين ، والفاسدين من الساسة ، وظهر مجدداً بالمجتمع الليبي من يجسد ” معمر القذافي ” بطغيانه ، وفساده، وهمجيته .. فلم يعد يوم يمر إلا ويتحفنا هؤلاء ( المارقين ) بممارساتهم الخارجة عن القانون حيث .. المداهمات ، والإعتصامات .. والطرق تغلق، والكهرباء تقطع، والمياه تقفل .. والمستشفيات تقتحم .. والمطارات تخترق .. والحقول النفطية تحتل .. والحدود تستباح .. والوزارات تحاصر .. والمؤتمر الوطني يعطل !!

ويكتمل المشهد العبثي بقمة السلبية من المواطن الليبي ( الحر ) !! الذي أصبح مثالاً صارخاً للإستهتار ، والتسيب، وإنعدام الوطنية .. وأثبت نجاحه في ( صوملة ) البلاد بإمتياز //

ــ فالسلاح الجاهل جعل القيم والآداب العامة في خبر كان .. وتجارة الممنوعات من خمور، ومخدرات ، وبضائع فاسدة باتت في المباح .. وأملاك الدولة من أراضي وعقارات تتعرض للتعدي والإنتهاك فتباع وتشترى بالمشاع .. ومختلف المهن بلا رخص ، والمركبات تتجول بدون لوحات ، وأقل أجناس الأرض من العمالة الوافدة ( المريضة والفاشلة ) أصبحوا عماد التجارة والبناء ، وعصب الخدمات بالمطاعم والمخابز ، وحراساً لبيوت العائلات !!

ــ وسيادة الموظف المحترم .. مقصر ، مهمل بعمله ، ويطالب بزيادة المرتبات!!

ــ والعسكري الهُمام .. لا يتواجد بمعسكره ويتباكى على تكوين الجيش!!

ــ والشرطي .. بلا قيافة ولاهندام ، متردد ، ولا يقوم بواجبه !!

ــ وحرس الحدود .. إما مهادنون ، أو مرتشون !!

ــ والإعلاميون .. لا يفرقون بين الثوار والمرتزقة ، والمحلل السياسي والسمسار!!

ــ والناشطون .. يسبون مفتي الديار ، والحكومة، والمؤتمر الوطني !!

ــ والمعارضون السابقون .. هجروا الساحة ، ولا حياة لمن تنادي !!

ــ والفدراليون .. يجدفون ضد التيار ساعين للسلطة والمناصب!!

ــ وبقايا النظام السابق .. يعملون في الخفاء لضرب ثورة فبراير وزعزعة أمن البلاد ، ولايفوتون فرصة في إشعال الفتنة بين الليبيين .. ولارادع لهم !!.

والنتيجة .. على ليبيا السلام !! ففي غياب الضمير والقانون لا أحد يراجع نفسه أو يُقيم أداءه .

إننا نتحسر على مصير وطن آل به الحال ليكون مرتعاً للمغامرين والخارجين عن القانون ، ومطمعاً لجماعات ومليشيات فالتة تتستر بغطاء الشرعية ( الورقية ) التي أضفتها عليهم الحكومة – والتي لا نرى فيها أي رابط بمؤسسات الدولة الرسمية عدا صرف المرتبات وقبض الأموال ، وإن تأخر الصرف فإن الدنيا تقوم ولا تقعد ، فيعلن النفير ، وتتأهب الحشود ، للزحف والتمرد .

هذا ديدنهم لإرهاب الدولة ، وإبتزاز الحكومة ، ولا فارق عندهم إن تعطلت الأعمال ، أو تخسر الدولة المليارات ، ويموت الناس في الطرقات .. في سبيل الحصول على طلباتهم الرخيصة . يحدث كل ذلك في ظل الإستقواء بالبندقية على الشرعية ، وأجهزة الدولة لاحول لها ولا قوة !!

انتشرت هذه الكيانات المسلحة المحسوبة على ثوار فبراير كالطاعون بطول البلاد وعرضها بعد التحرير ، وتخطى تعداد عناصرها ألـ ( 150 ) ألف .. في حين أن العدد الحقيقي للثوار أيام الثورة لم يتجاوز ألــ ( 20 ) ألف على أقصى تقدير .. !! تنوعت الولاءات ، والتسميات من كتائب ، وسرايا ، وألوية ، ودروع .. وهلم جراً !! وحملت خزينة الدولة المليارات التي صرفت في المنح والمرتبات .. ومن أفدح الأخطاء التي ارتكبتها بعض هذه التشكيلات ضمها لأعداداً كبيرة من فلول الكتائب الأمنية المنحلة ، والتي كانت تقاتل مع القذافي وتذبح الليبيين أيام الثورة .. كـ كتيبة امحمد المقريف .. واللواء 32 معزز .. والحرس الشعبي ، والأمن الداخلي والخارجي ، والمتطوعين ، وأعضاء اللجان الثورية .. وغيرهم من تركة النظام المنهار ــ وهذا الصنف من البشر لايعول عليه في الدفاع عن ليبيا أو حماية ثورة فبراير، لأنهم ببساطة متلونون ماديون .. لا حرمة عندهم لدم أو عرض ، أو دين .

ويبدو أن الجهة التي أعطت الشرعية لمثل هذه التشكيلات لم تكن تعي العواقب الكارثية على إستقرار البلاد وأمنها القومي ، والسلم الأهلي .. فمسلسل الإغتيالات المتواصلة ، والصدامات الدامية بين الحين والآخر داخل المدن كطرابلس ، وبنغازي ، وسرت ، والزاوية ، والجبل الغربي ، والكفرة .. وغيرها إلا دليلاً على أن عقيدة هذه الجماعات وولاءهم ليس للوطن ، ولا للجيش الليبي ، وإنما للمال ، ولمن يقودهم ويأتمرون بأمره !! .

إن حالة الإنفلات والفوضى العارمة التي تعيشها البلاد حالياً .. لايمكن تداركها والتغلب عليها إلا بتظافر جهود كل الليبيين .. مواطنين ، وجيش ، وشرطة ، ومؤسسات مجتمع مدني ، وحكومة ، ومؤتمر وطني .. والبداية بإتخاذ الخطوات التالية /

1 – سرعة إصدار الدستور للبلاد .

2 – العمل بجدية على تكوين الجيش الوطني ، وتفعيل دور الشرطة والأمن العام .

3 – قرار فوري وملزم من الحكومة لوزارة الدفاع ، والداخلية بضرورة جمع السلاح المبعثر في أرجاء البلاد ، وبشتى الوسائل المتاحة ، وبفترة زمنية محددة .

4 – حل جميع السرايا والكتائب المسلحة ( المشرعنة والغير المشرعنة ) ، وضم من يرغب من عناصرها للجيش أو الشرطة ( فرادى لا جماعات ) ، أو دمجهم بالوظائف المدنية المتاحة.

5 – التسريع بمحاكمة رموز النظام السابق ، وإصدار الأحكام القضائية بحقهم ، والعمل على جلب الفارين من العدالة خارج البلاد .

6- على الجهات المسؤولة بالدولة تجنب أسلوب المهادنة والمحاباة مع ( الأفراد والجماعات ) المتنفذة و المتطاولة على الشرعية والتي تعمل بأجندات داخلية أو خارجية مشبوهة ، والوقوف بقوة وحزم في وجه التدخل السافر لأمراء الكيانات المسلحة في أعمال المؤتمر الوطني العام ، والحكومة وإتخاذ الإجراءات الرادعة ضدهم .

7ـ تجميد نشاط كافة الأحزاب السياسية بالبلاد الى حين صدور الدستور ، والعمل على إنهاء التجاذبات والمنازعات بين مايسمى ( بالحزبين الكبيرين ) بالمؤتمر الوطني العام .

8 – الإهتمام بالوضع الإقتصادي ، والعمل على تفعيل الأنشطة الإقتصادية والصناعية ، ودعم المشاريع الصغرى والمتوسطة للشباب .

أخيراً .. إن الدولة الليبية لن تقوم لها قائمة إلا بطرح الثقة بين كل الليبيين .. وبفرض سلطة القانون ، والضرب بيد من حديد على كل مخالف ومتطاول أياً كان ، وعلى الحكومة المؤقتة وأجهزتها التنفيذية التركيز على أولويات المرحلة .. جيش قوي يحمي الديار ، وجهاز أمني فعال يحفظ الأمن ويصون هيبة الدولة .. والإلتفات لمشاريع التنمية والبناء .. لتنهض البلاد وتلحق بركب التقدم والتطور.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً