إتفاق الصخيرات، ماذا حدث فيه وماذا بعده

إتفاق الصخيرات، ماذا حدث فيه وماذا بعده

منذ أيام قليلة أنتشرت عبر وسائط التواصل الاجتماعي، صورة للصفحتين الاخيرتين مما سمي بالاتفاق السياسي، بين الاطراف الليبية المتناحرة، الذي تم توقيعة بمدينة الصخيرات المغربية، تحت مظلة إعلامية واسعة، برعاية السيد ليون بيرناردين ومندوب الامم المتحدة.

مُهرت الصفحة اليمنى بثمانية عشر توقيعاً لشخصيات ليبية قدموا أنفسهم على أنهم أطراف سياسية أساسية في العملية السياسية الليبية وأنهم كانوا متخالفين ثم قام السيد ليون بمجهودات جبارة وبضغوطات من المجتمع الدولي للتوفيق بينهم، بعد مفاوضات مضنيه وإقناعهم بالتوقيع على هذا الاتفاق وبالاحرف الاولى كما كُتب في أعلى الصفحة، أما علي الصفحة المقابلة فقد زينت بأحد عشر توقيعاً لمن سموا بشهود على هذا الاتفاق. وضّح السيد ليون بأن هذا التفاق قد حضرته كافة الاطراف ذات العلاقة وأن الغائب الوحيد عن هذا الاتفاق هوالمؤتمر الوطني الليبي العام، فهل هذا صحيح؟

للتأكد من ذلك دعونا نتفحص أسم وصفة كل من وقع على هذا الاتفاق ولنبدأ بممثلي مجلس النواب الاربعة وهم السادة: أمحمد علي شعيب رئيس الوفد، د. أبو بوكر بعيرة، صالح همه والصادق محمد أدريس، وهم جميعهم أعضاء في المجلس، والسيد شعيب هو النائب الاول لرئيس مجلس النواب الليبي، فبالتالي هم طرف حقيقي في العملية السياسية وتوقيعهم علي الاتفاق يعطيه جانب مهم من القوة والشرعية ويعنى موافقة مجلس النواب المبدئية عليه،   وإن كان يحتاج للمصادقة عليه لاحقاً من طرف المجلس وذلك بسبب ذكر أن هذا الإتفاق قد وقع بالاحرف الاولى طبقاً لنصوص أتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والتي دخلت إلى حيز التنفيذ في 27/01/1980م، والتي تنص على  إمكانية مراجعته ومن ثم التصديق عليه قبل دخوله حيز التنفيذ.

يأتي بعد ذلك السيدين فتحي باشاغا وسليمان الفقية من عضوي مجلس النواب المقاطعين له وهما من مدينة مصراته والذين يبدوأنهما لا يمثلان الاغلبية في مدينتهم بخصوص هذا الاتفاق، وإن كانا يمثلان  تحولا ً مهما ورغبة حقيقية من طرف جزء  من أهل مدينة مصراته في الدخول في الحوار والسعي  لإنهاء الازمة، لكن وهما عضوان فقط، يقابلهما ستة أعضاء من مدينتهم (مدينة مصراتة لها ثمانية ممثلين في مجلس النواب)، يبدوأنهم غير موافقين على بنود هذا  الاتفاق وهذا يظهر من عدم مشاركتهم في الحوار وعدم تصريحهم بالموافقة على نتائجه حتى الان، كما نود التنويه بأن السيد محمد الرعيض وهو أحد الثمانية نواب عن المدينة، قد شارك في البداية، في جلسات حوار غدامس ثم أنسحب منها، مما يعطي دلالة واضحة علي عدم رضاه عن ما يقوم به زميليه باشاغا والفقيه أو ربما عن الحوار برمته.

أما د. مصطفى أبوشاقور، وهوعضومقاطع للبرلمان عن منطقة سوق الجمعة بطرابلس،  يبدوأنه قد وقع على الاتفاق معبراً عن موافقته الشخصية عليه، إذ أنه لم يصرح بأنه يمثل أي حزب او تكتل أو قوى فاعلة بعينها، ويجدر القولهنا  بأن الكثيرين يرون بأنه مقرب من الاخوان المسلمين والتيارات الاسلامية بصفة عامة.

د. نعيم الغرياني، وهو عضو مقاطع لمجلس النواب عن غريان، وصهر الدكتور مصطفى  أبوشاقور، وزميله في إدارة معهد الدراسات الاستراتيجيه الذي يرأسه أبوشاقور، وقد رشحه لمنصب وزير التعليم العالي أبان حكومته التي لم ترى النور، هو أيضاً قريب من الاخوان المسلمين.

مجموع من ذكرت هم ثمانية  شخصيات من أصل ثمانية عشر شخصية وقعت الاتفاق، أي أقل من النصف، هؤلاء الثمانية هم فقط ممثلي الشعب المنتخبون، ذو العلاقة المباشرة بالازمة الليبية…. لكن ماذا عن باقي الاطراف الموقعة كأطراف في هذا الإتفاق وعددها  عشر شخصيات؟

ببحثنا في خلفيات كل شخصية، يتضح لنا أن هناك تباين واضح في من قُدموا كأطراف أساسية في الحوار، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك، إذ أنهم لا يمثلون أي كيان سياسي أوبشري واضح المعالم، أوكتلة مؤثرة في الصراع الليبي الدائر حالياً، ما عدا مؤسسات  المجتمع المدني وهذا أسم فضفاض زاد تمثيله عن المعقول.

أما السيد  فضيل محمد الامين فهو إعلامي معروف بأنه ذو توجه أسلامي، وهو مقيم في الولايات المتحدة الامريكية  وله باع طويل في العمل السياسي الاسلامي، فهو مؤسس للعديد من المواقع والمناشط ذات العلاقة بالفكر الاسلامي السياسي مثل أنشائه لمؤسسة الاسلام الاعلامية (Islamic Media Foundation) وموقع (Islamic horizon) وموقع (Islam On Line)، وقد وقع السيد فضيل ممثلاً عن المستقلين والذين سنرى أنهم يمثلون الاغلبية الموقعة على  الاتفاق، ولسنا نعلم كيف ومتى ووفق أية آلية تم بها أختار هؤلاء المستقلين وبناء على أية معايير، إلا إذا كان السيد ليون هو من أختارهم ليوافقونه فيما يريد، كيف ما يريد.

السيد نوري العبار الرئيس السابق للمفوضية العليا للإنتخابات هوأيضاً قريب من الاخوان ويقدم نفسه على أنه من المستقلين، أما السيدين أحمد عبد ربه العبار ووموسى الكوني العضوين السابقين للمجلس الوطني الانتقالي فهما أيضاً مستقلين، ونزيد عليهما السيد سالم موسى مادي المستشار السابق للدكتور يوسف المقريف الرئيس السابق للمؤتمر الوطني، هوأيضاً مستقل، أما المستشار موسى عبد النبي الطرابلسي فهورجل قانوني وعضوهيئة القضاء في أتحاد المغرب العربي، وليس من الواضح ما سبب توقيعه على الاتفاق وإن كان ينتمي لمدينة الزنتان، فهو لم يصرح أويُقَدم  بأنه ممثل لها، كل من ذكرت سابقً هم مصنفون  كمستقلون!.

السيدين توفيق الشهيبي والشريف الوافي هما أيضاً عضوين سابقين في المؤتمر الوطني عن تحالف القوى الوطنية وقدما أنفسهما للتوقيع كمستقلين!!

أما عن السيدتين التين وقعتا أيضاً على الاتفاق فهما السيدة  ناهد عمر معيتيق،  وهي وقعت بصفة غير واضحة، حيث أشيع بأنها ممثلة  للمرأة الليبية في الاتفاق، بعد أن رشحها السيد ليون لذلك، وهذا مثير للإستغراب، إذ كيف يجوز للسيد ليون أن يرشح هو من يراه مناسباً ليوقع نيابة عن الليبيات، أما السيدة نعيمة محمد جبريل فهي قاضية وهي ممثلة للمجتمع المدني على حد قولها ورجال القضاء عادة لا يتدخلون في الحياة السياسية، ولا نعرف من رشحها وعلى أي أساس وما هو مدى تأثيرها لتوقع على هذا الاتفاق.

مما سبق ذكره يبدوأنه من الواضح أن من وقع على الاتفاق هوطرف أساسي واحد وهومجلس النواب بأعضائه الثمانية، وغاب عن التوقيع أطرأف أساسيه عـده  منها  المؤتمر الوطني العام، وممثلي الاطراف الفاعلة في الارض سواء في المنطقة الشرقية أوالغربية مثل التشكيلات المسلحة وقادة عمليتي الكرامة وفجر ليبيا، ومندوبي المدن والقبائل، أما المنطقة الجنوبية فإنهم يعاملون كأنهم غير موجوين أصلاً، وهذا شيء يؤسف له ولكن يسائل عليه أهل الجنوب ونوابهم بالدرجة الاولى قبل غيرهم، أما بقية العشر شخصيات وأن كنت لا أنكر مجهودهم ورغبتهم في حل الازمة إلا أنهم لا يشكلون أطراف أساسية بأي حال من الاحوال وليست لهم القوة المؤثرة التي تجعل هذا الاتفاق ينجح أويفشل إن لم يوقعوا هم عليه.

تبدو الدهقنة السياسية واضحة في موقف الاخوان المسلمين من الاتفاق، فهم ممثلون في الاتفاق بطريقة ضبابية، حيث لم يعلن أي من من وقعوا كملتزمين بالاتفاق (آقصد الثمانية عشر ُموَقِّع) أنهم من الاخوان أويمثلونهم وإن كان يستشف ذلك، بينما أكتفى السيد محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء، وهوجناحهم السياسي، بالتوقيع كشاهد على الاتفاق وليس كعضو ملتزم به، وهم بذلك ضمنوا عدم تعرضهم لغضب المجتمع الدولي أولعقوباته من جانب، ومن جانب آخر، ليس لديهم ما يلزمهم بالاتفاق وبنوده لا من الناحية القانونية ولا السياسية، وهذا ما صرح به السيد صوان بعد التوقيع مباشرة، وهذه حركة ذكية قام بها أيضا د. محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية، الذي أوفد من ينوب عنه موقعاً كشاهد فقط  مبتعداً بنفسه عن أية نتائج غير متوقعة قد تضر بشخصه  أوبإتلافه.

هذا كما يجدر بالذكر وأنه طبقاً لنصوص إتفاقية فيينا، فإن الاتفاق لا يستلزم وجود شهود عليه، بل يكفي للإلتزام به توقيع الاطراف ذات العلاقة، وهوأتفاق نقلت أحداثه عبر وسائل الاعلام العالمية والمحلية، ولكن للضرورة أحكام كما يقولون، فقد تم حشد مجموعة من رؤساء البلديات للحضور ومباركة الاتفاق كشهود عليه لاغير.

من الواضح أن السيد ليون لديه أسباب قوية وملحة  تجعله يرضي بما كان، ويضخمه قدر ما يستطيع، ليصنع منه أتفاق وتصالح كبير، ليستخدمه  بالتأكيد كورقة هامة أمام مجلس الامن، ليثبت نجاحه من جهة في حلحلة المسألة الليبية وبأي نتائج كانت، مضيفاً ذلك لملفه الشخصي، ولمعاقبة من خالفه في الرأي، وإن إختلف معه في وجهة نظره وأسلوبه في حل المشكلة الليبية المعقدة، كذلك ليرضي الاطراف الاوروبية التي لا تهمها مصلحة الشعب الليبي بقدر إهتمامها بثروات ليبيا وبإيقاف أمواج المهاجرين إليها عبر بوابة ليبيا المفتوحة على مصراعيها، إذ أن أوروبا المثقلة بمشاكلها الاقتصادية المتراكمة تسعى لترسيم حكومة قادمة سهلة الانصياع في ليبيا، تسمح لها بالتدخل العسكري فيها، وفق الشكل الذي تراه هي  مناسب لها، لوقف ما تسميه بالهجرة غير الشرعية وتريد أن تكون ليبيا هي الممول المالي  لهذه العملية، وهذا ما صرح به بعض من مسؤوليها منذ مدة قليلة، حيث قال بما معناه: أن  على ليبيا أن تكون سجن كبير للمهاجرين غير الشرعيين على حد تعبيرهم، وهذا ما يرفضه الليبيون بتاتاً.

يجب أن يعرف الليبيين أن حل مشكلاتهم بإيديهم بالدرجة الاولى، لا بيد السيد ليون ولا بيد الامم المتحدة، وأن أي طرف خارجي سيتدخل في ما بينهم فإنه لن يقوم بذلك لوجه الله، بل أنه تسوقه مطامعه ومصالحه بالدرجة الاولى، والتي غالباً ما لا تتطابق مع مصالح الشعب الليبي، وقد أثبتت مسيرة ليبيا في السنوات الاخيرة ذلك.

وللذين يعتقدون في السيد ليون وعبقريتة، وفي ألأمم المتحدة وحلولها، لربما عليهم أن يراجعوا مواقف الامم المتحدة ودورها في البوسنة ورواندا وحتى مؤخراً في مصر،   وغيرها من دول العالم، ليفهموا كيف يفكر ويتصرف من يعيش خلف أمواج المحيط الاطلسي، وهل هويهتم فعلاً بهم أوبمشاكلهم.

وإن الايام القادمة ستخبرنا بالمزيد عن هذا الاتفاق.

* المراجع: إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • صلاح

    كلام جميل ومنطقي

  • fituri

    كلام وتحليل صحيح 100% على الموقعين على المسودة وخاصة الشهود المختارين بطريقة غير معروفة ومشبوهة ترك الاتفاق للعناصر والأطراف الرئيسية والتي تستطيع تطبيق الاتفاق على الأرض والبقاء في حلبة المتفرجين فقط

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً