ليبيــا ومشروع الدويلات الليـبـيـستانـية

(النجاح الوحيد لليبيون بعد 17 فبرايـر)

هناك مواضيع تكتب عنها وأنت سعيد، وهي عموماً قليلة في وقتنا هذا، وهناك مواضيع تكتبعنها وأنت صافي الذهن (رايق)،، وهناك مواضيع تكتب عنها وأنت مستاء ومنزعج جداً.

وموضوع اليوم هو من هذه المواضيع النكدية، ألا وهو موضوع تفتت الدولة الليبية وأنتهاء ما كان يعرف بأسم ليبيــا والتي لم تعمر طويلا (منذ 1951 وربما إلى 2020 على أبعد تقدير) وإلى غير رجعة.

إذا حسبنا للملك أدريس أنه من أسس الدولة الليبية سنة 1951، كدولة مستقلة وذات سيادة، ومعترف بها لدى الامم المتحدة وكافة المحافل الدولية، فأنه يحسب للعقيد معمر القذافي، حاكم ليبيـا السابق، محافظته علي هذه السيادة وعلى وحدة أراضي ليبيــا طوال مدة حكمه والذي أستمرت لإثنان وأربعون سنة.

منذ أستلم حكام ليبيا الجدد سدة الحكم فيها، وهم يعملون بكل جد ونشاط على تفتيت هذه الدولة وبكل السبل، فبدأوا بترسيخ مبدأ التقسيمات الجهوية، وكانت تلك البداية، بتوزيع المناصب الهامة في الدولة (رئاسة المؤتمر الوطني ورئاسة الوزراء والوزارات) على أساس جهوي، ثم إلى تأسيس هيئة صياغة مشروع الدستور علي أساس مناطقي صرف، وما تبع ذلك  خلافات حادة بين أعضائها، نشاهد نتائجها اليوم بوضوح في عجز هذه الهيئة عن إستكمال مشروعها، بالرغم من مرور أكثر من سنة على بداية ذلك، والتي لخّص حالها مؤخراً د.عبد القادر قدورة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة بنغازي، في حديث له ببرنامج (سِجال) على قناة ليبيا يوم 09/11/2015، من أن هناك ثلاث مشاكل رئيسية في الهيئة منذ تأسيسها وهي  مشكلة في أعضاء الهيئة ومشكلة في إدارة الهيئة و مشكلة في المواضيع المطروحة للنقاش على الهيئة، أي هناك مشكلة كبيرة في الثلاث أمور الأساسية التي تقوم عليها الهيئة، بالتالي لا يُرتقب أن يكون ظهور هذا الدستور قريباً.

من جانب آخر أهمل هولاء الحكام  ولربما عن قصد، وزارة مهمة ألا وهي وزارة الحكم المحلي، ولم يتم تفعيل برامجها، كما لم يتم أعتماد تصور للمحافظات، التقسيم الاداري البديل للشعبيات (التقسيم الاداري لليبيـا في العهد السابق) والذي يؤمل منه  ترسيخ مبدأ اللامركزية وتوزيع الموازنات والخدمات  بطريقة عادلة، علي كافة مناطق الدولة، بحيث تصل إلي جميع مواطنيها.

أما علي الصعيد الدولي، فيبدو أن الليبيين  يحققون تقدماً سريعاً في مشروعهم التفتيتي هذا، فقد نجحوا في نقل هذه العدوى إلى الامم المتحدة وممثلها السيد ليون، فبدل من العمل على أنتخاب أو تعيين رئيس مؤقت للبلاد يوحدها ويجمع شملها علي كلمة واحدة، إلي حين الاتفاق علي الدستور، أسوة بما كان في تونس ومصر، والتي قامت بذلك مباشرة بعد سقوط أنظمتها العتيقة، خرج إلينا  السيد ليون بشيئ جديد، ألا وهو مجلس رئاسي، كان في البداية يتكون من ثلاثة أشخاص، ثم أصبحوا أربعة، ثم أقترح زيادة عدد أعضاءه ليصل إلى 9 أشخاص بدعوى الحاجة لتمثيل مدن بعينها في هذا المجلس.

من جهة أخرى تقبل الشارع الليبي هذه المقترحات بطريقة تتماشي مع رغبة سياسييه التفتيتيه، فمن عارضه منهم، لم  يعارضه من حيث خطورة تقسيماته، بل عارضه لأنه لا يُرضي طموحاتهم المناطقية، في أعطاء مدنهم مقاعد أكثر وتمثيل أكبر حتي لكأن هذا المجلس الرئاسي، سيكون مجلس نواب (VIP) داخل رأس الدولة.

زيادة في ذلك، وللأسراع في تفتيت الدولة الليبية، خرج علينا بعض الليبيون بأجسام غريبة لتساهم في هذا التفتيت و هو ما يسمى بالمجالس العليا، والتي تقوم على أساس عرقي غير واضح المعالم، فتم أشهار واحد منها، ويجري الان الاعداد لإشهار مجموعة أخرى في مناطق متفرقة في ليبيا.

هذا المجلس المنشاء حديثاً، والمجالس التي ستشهر بعده، لا تستند في تأسيسها إلي أي قانون أو دستور، كما لا يوجد لها نظام داخلي واضح المعالم ينظم أعمالها، ولا علاقتها  مع من تدعي تمثيله، أو مع الدولة الليبية، ولا مع المنظمات والجهات الاجنبية، والتي يبدو أن همها الاول هو التعامل معها وتلقي الدعم منها.

زد علي كل ما ذكرت التدخلات الاجنبية في ليبيا والتي لا أريد الحديث عنها لأنها معروفة للجميع، ولأنه من المؤسف بأن أدواتها في ليبيا من الليبيون أنفسهم، بل ومن الذين يتزعمون المشهد السياسي في البلاد اليوم.

وبهذا سينجح الليبيون قريباً  في تحقيق أول أنجاز حقيقي لهم  بعد 17 فبراير، ألا وهو تفتيت الدولة الليبية إلي مجموعة من الدويلات القزمية، لربما ستتخذ نهاية أسمائها كلمة (ستان: تعني أرض) فسيكون لدينا قريباً وكمرحلة أولى (هذا إن لم يكن ذلك حقيقة واقعة الان) برقستان وطرابلستان وجبلستان وفزانستان ووسطستان، ثم ستأتي بعدها مرحلة دويلات المدن مثل سرتستان،، ودرنستان، وسبهاستان، وغيرها،،، وهلم جراً.

سيكون المستفيد الاكبر من هذه الدويلات، هو الميليشيات والعصابات الإجرامية، والتي سيزداد نشاطها و ستكون مغانمها كبيرة من ناتج تهريب البشر وتهريب النفط والذي ستستولي على حقوله وستبيعه لحسابها في الاسواق الموازية، (كما يحدث حالياً للنفط في سوريا)، واالتي ستحول شواطئ ليبيـا  إلى موانئ غير شرعية لتصديره عبر السفن الصغيرة، كما يحدث حالياً على شواطئ غرب ليبيا، كذلك من الاتاوات التي ستفرضها على المواطنين و أصحاب الاعمال بحجة الحماية، أو أي مسميات أخرى.

لربما سيرى البعض منا لهذا الوضع محاسن كثيرة، إذ سيكون لدينا (حسب إعتقادهم) الكثير من الرؤساء والاكثر من الوزارات، والاكثر الاكثر من السفارات والسفراء، كما سيكون لدينا الكثير من الاعلام والرايات و بكل الالوان، وهذا هو الاهم.

وفي الختام وكما هي العادة، علينا أن لا ننسي أن نلوم الغرب والامم المتحدة والسيد ليون ومن سيأتي بعده، علي المؤامرة الكبرى والتي هي منا و إلينا، وعلى  تفتيتنا نحن  لوطننا، ونبكي ونندب وننظم القصائد ونكتب المقالات الطويلة في ذلك… فوداعاً ليبيــا وأهلا بالدويلات الليـبـيـستانـية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.