دماء ليبية في صحراء تشاد الموحشة.. خواطر مؤلمة

دماء ليبية في صحراء تشاد الموحشة.. خواطر مؤلمة

مبروك المغربي

أسير حرب سابق في تشاد

في الثاني من يناير 1987 سقطت مدينة فادا في يد القوات التشادية وخسر الجيش الليبي تلك المدينة في معركة طاحنة، وتكبّد خسائر في الأرواح والمعدات وسقوط جرحى وقتلى وأسرى.

مجموعة من العسكريين ينسحبون من أرض المعركة تحت وطأة الرصاص والقنابل حيث أووا إلى ذلك الجبل الأسود ومكثوا هناك حتى حلول الظلام، ثم اتفقوا على أن يسيروا ليلا ويرتاحوا نهارا حتى يصلوا إلى الخطوط الخلفية ( قاعدة وادي الدوم ) كان من بين أولئك الرفاق جريحان حالتهما خطيرة جدا أحدهما هو”عمي عوض ميلاد” كان مصابا إصابة بليغة في الشق الأيمن من الوجه ومن شدة الإصابة لا تستطيع النظر إلى وجهه، وأستغرب كيف أتوا به إلى أرض المعركة لكبر سنه، أما الأخر فهو برعصي – لا أذكر اسمه بالتحديد – كان مصابا في الجهة اليسرى من الرقبة وتكاد أن ترى قلبه من عمق الجرح.

قضوا الليلة الأولى في ذلك الجبل المخيف دون ماء أو طعام ،مكثوا طوال اليوم تحت صخرة صمَّاءَ في العراء تحت حرارة الشمس اللاذعة وبرد الليل القارص، وفي الليلة الثانية واصلوا المسير وهم يتبادلون على نقل الجرحى فيما بينهم والجميع حالتهم سيئة للغاية، الجريحان كانا يطلبان من رفاقهما أن يتركوهما في الصحراء وينجوا بأنفسهم ولكنهم رفضوا ذلك ،الجريحان يتألمان جدا من برد الصحراء ونزيف الدم، يواصل الرفاق السير حتى الصباح وقد بلغ منهم الجوع والعطش مبلغا كبيرا.

صحراء موحشة نهارا ومظلمة ليلا، ومع شروق صباح ثالث يوم من تلك الرحلة المؤلمة آوى الرفاق إلى الجبل ليحتموا من حرارة الشمس، يستلقي الجريح البرعصي على ظهره وينظر إلى السماء وكأنه يشتكي ظلم العباد لرب العباد، كان يشعر ببرد شديد رغم حرارة الصحراء، سقطت دموعه وهو يوصي رفاقه : إذا كتب الله لكم النجاة فبلغوا أمي سلامي وقولوا لها بأن تسامحني فأنا وحيدها.

كرر الجملة مرات عديدة ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وسط ذهول الرفاق اللذين هم أيضا أشرفوا على الهلاك، غفر الله له وأدخله فسيح جناته.

دورية تشادية تلمح الرفاق بجانب الجبل فتقبض عليهم ويقع الجميع في الأسر، أحد الجنود يسحب الأسير عمي عوض ميلاد على بعد أمتار من الرفاق ويقوم بإعدامه وسط ذهول وصدمة الرفاق، يقول لهم الجندي التشادي \: الذنب ليس ذنبكم ولا ذنبنا، إنها الحرب.

ستبقى لعنة حرب تشاد تطارد كل القادة المجرمين الذين شاركوا فيها وعلى رأسهم معمر القذافي، ولا يوجد أصعب وأُمَرّ من أن تبقى الكلمات ما بين فمك وحنجرتك، فإن نطقت بها ندمت وإن سَكَتّ عنها تألمت.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مبروك المغربي

أسير حرب سابق في تشاد

اترك تعليقاً