مأزق الإخوان المسلمين الذي ورطُوا فيه أنفسهم والوطن مرَّة أُخرى!

مأزق الإخوان المسلمين الذي ورطُوا فيه أنفسهم والوطن مرَّة أُخرى!

ابراهيم قرادة

دبلوماسي وكاتب ليبي

توصيف: السيد باشاغا بتوجيه ودعم من الحزب الديمقراطي تحالف مع معاديه ومناوئه في صفقة سياسية فشلت بجدارة مدوية، ربح فيها خصمهم وفقدوا فيها شريكهم وخسروا هم فيها لدرجة تهديد وجود الوطن.

رغم وضوح الحصيلة لا زال الحزب في نهجه المدمر لذاته ولغيره، وليس من أبجديات السياسة الانتحار جمودًا كما تفعل بعض الطيور عندما “تكفش” في مكانها.

باستعارة من اللغة الانجليزية، عندما نستخدم الظرف الفعلي “too” في He is driving too fast، والذي ترجمته “أنه يقود بسرعة جدًا”، وtoo/جدًا هنا تعني الإفراط الذي ينقلب إلى ضده، أنه الوصف هنا سلبي وعكسي وغير مرغوب، ومن ذلك القول too smart وترجمته الذكي جداً أي الشطارة المبالغ فيها، ضمن الإفراط الذي يزيد عن حده ينقلب ضده!.

شرقاً وغرباً يعيش الإخوان المسلمون وأذرعهم الحزبية حالة استثنائية، وضعًا صعبًا وضغطًا ثقيلًا وتوجسًا عظيمًا من الحكومات والشعوب معًا، وهو ما يحدث حتى في ليبيا.

في ليبيا انقسم الذراع السياسي للإخوان المسلمين، بخروج “الحزب الديمقراطي” بقيادة السيد محمد صوان عن الحزب الأم “حزب العدالة والبناء” إثر انتخاب السيد عماد البناني لرئاسته.

جناح الحزب الديموقراطي بالغ في التذاكي السياسي بميكافيلية جامحة تسقط أي فارس سياسي من فرس السياسة ولو كان too بارعًا.

وفي اندفاعهم المنطلق للاصطفاف السياسي مع خصمهم اللدود ضد شركائهم (ليس بالضرورة حلفائهم) في المعسكر السياسي؛ مسألة لا يمكن وصفها إلا بـ الاندفاع السريع جدًا (too) والمفرط لدرجة التفريط والمقامرة بالانقلاب للضد.

قبل أربع أشهر يمكن فهم (وليس بالضرورة قبول) مسار الحزب الديمقراطي بعقد تفاهم مع خصمهم السياسي كـ:

  1. مخرج وطني من حالة التحارب والانقسام الطويلة بعد حروب ممتدة غير محسومة
  2. مخرج لتيارهم وحزبهم من حالة الاستهداف والحصار والتقلص داخليًا وخارجيًا
  3. مخرج تكتيكي للتموضع في الساحة السياسة وتوازنات السلطة

ولكن الحزب الديمقراطي في ظل حالة الذكاء السياسي المفرط ومسار الهلع والفرار المتسارع مع تمكن كمين الحصار المتزايد تعامى معاندًا كل العوامل الواقعية والمتغيرة، لدرجة too بهروبه من الغولة ليقع عند سلال القلوب، في درجة تصل الإمعان المتعنت الذي أصبح too smart.

عناد تيار الحزب الديمقراطي يفقده قاعدته شعبية المتآكلة بصورة لا يريدها ولا ينتظرها حتى أعدائه، فما بالك أنصاره في الداخل والخارج الذين يتجرعون مرارة الانقلاب والاندفاع نحو الخصوم المشتركين.

هكذا يجد خصوم تيار الحزب الديمقراطي في الداخل والخارج أنهم حققوا نصر مبينًا عجزوا عن حصده بالحروب والتضييق، قدمه لهم خصهم التاريخي اللدود.

وليس هناك في التكتيك السياسي أرقى من نصر غير مكلف تحققه عبر أخطاء غريمك وتشتيت شمل حلف خصومك. لعبة سياسية ذكية كثيرًا- so smart وليست too smart، الذكاء والتذاكي والشطارة والتشاطر ليسوا براءة اختراع محتكرة عند البعض دون البعض.

تيار الحزب الديمقراطي في ليبيا رهن نفسه الآن لطرف سياسي يعاديه وجوديًا، وهذا الطرف السياسي نجح بجدارة في سلبهم حتى أبريق ماء لتعويض ماء الوجه المراق.

هذا المسار هو نفسه تكرر شرقاً وغرباً، والذي حاول التيار الهروب منه فهرول إليه.

إنقاذ ونجاة تيار الإسلام السياسي الديمقراطي المقتنع بالدولة المدنية الديمقراطية غير الديكتاتورية يعتمد على مرونة التصحيح والتراجع عن التعنت، وهو في ليبيا بيد حزب العدالة والبناء الآن شريطة أن يمارس الحزب الديمقراطي النقد الذاتي والاعتذار العام. شخصيًا، فكريًا وسياسيًا، أنا مختلف ومخالف للإخوان المسلمين، وأشاركهم فقط الهم الوطني وممارسة العمل السياسي وفق مبادئ وآليات العمل السياسي السلمي في دولة مدنية ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة بالانتخابات الحرة النزيه بدون تخوين وتكفير وإقصاء وبدون احتكار الصوابية الدينية أو الوطنية.

ختامًا، تيار الحزب الديمقراطي ورغم مفاصلته وانفصاله المعلن عن الإخوان المسلمين يظل محسوباً ومعروفا في عموم الرأي العام أنه منهم، وبعد حصادهم المريع في الأشهر الأخيرة، فتكرار التسويق المبالغ والتمرير المفرط لمسارهم يقع كذلك في دائرة too، والتي لن يخرجهم أحد منها إلا أنفسهم، وهناك شخصيات وقيادات من الإخوان المسلمين بذراعيه (العدالة والبناء- والديموقراطي) ذوي مصداقية وقدرات وطنية ومعرفة وحنكة سياسية يمكنها التقييم والتدارك من مصير عرفته وتعرفه الجماعة منذ 94 سنة، وبعض ذلك يقع تحت ما جناه بعضهم على أنفسهم وأهلهم.

والوطن أولًا ودومًا قبل الأحزاب والإيديولوجيات والطبقات والديكتاتوريات والخارجيات. وتلكم سطور مما يتهامسه العديد من عديد الهمس.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

ابراهيم قرادة

دبلوماسي وكاتب ليبي

اترك تعليقاً