مارس شهر الوفاء لضحايا حرب تشاد.. خواطر مؤلمة

مارس شهر الوفاء لضحايا حرب تشاد.. خواطر مؤلمة

مبروك المغربي

أسير حرب سابق في تشاد

عندما كنا أسرى حرب في تشاد وضعونا في سجون متفرقة في العاصمة أنجامينا، كنا نوضع حوالي من خمسة وثلاثين إلى خمسة وأربعين أسيرا في غرفة واحدة لا تتعدى الأربعة أمتار طولا وثلاثة أمتار عرضا، والغرفة لا يوجد بها إنارة أو نوافذ ونحشر فيها جميعا، البعض منا مقيد بالسلاسل في الأرجل والبعض الآخر مُكبل الأيادي.

يقفل علينا باب الحديد المزعج، تلوح سكرات الموت في الأفق بعد قفل الباب، الوضع سيئ، لا نرى بعضنا من شدة الظلام، ننزف عرقا، نبحث عن متنفس من خلال هذه الغرفة فلا نجد سوى فتحة ذاك الباب الحديدي نتبادل عليها لنحصل على نَفَس.

في بعض الأحيان نلجأ إلى”التخبيط” على ذلك الباب الحديدي حتى يفتح الحرس لنقول له إن أحدنا أُغْمِيَ عليه فيترك الباب مفتوحا لدقائق  لنتحصل على هواء نقي، فسوء التغذية وقلة النوم والإرهاق الجسدي جعل منا هياكل عظمية متحركة.

كان من بين الأسرى أخ اسمه “المبروك الغرياني” كان من ضمن المصابين، وكانت إصابته حروقا في جسده، تستطيع أن تشم ذلك اللحم المحروق، لم يتلق ذلك المسكين أي علاج أو إسعافات، وكان يوضع في ساحة السجن وفي سكون الليل المظلم، كنا نسمع صراخ ذلك المسكين وهو ينادي “الفار يا ولاد” كانت الفئران تأكل لحمه كل ليلة ونحن لا نستطيع أن نحرك ساكنا، ومغلوبون على أمرنا ولا نملك إلا الدموع لنذرفها حزنا وقهرا على ما نحن فيه.

وفي ليلة من الليالي سكن الصوت ولم نعد نسمع صراخه فاعتقدنا بأنهم نقلوه إلى المستشفى وعندما أخرجونا من الغرف وجدنا ذلك المسكين جثة هامدة.

وقفت القلوب وسقطت الدموع ونحن نرى الحرس وهم يقومون بلفه في بطانية لإخراجه من السجن فلا ندري إذا كانوا قد غسلوه أو صلوا عليه.

جزء من حقائق مؤلمة، وتبقى هناك أحاديث مخبأة في داخلنا غير صالحة للنشر أو الحديث وإذا تحدثنا عنها أبكتنا وجعا.

لمن لا يعرف، من يقلب صفحات التاريخ سوف يقف طويلا يتأمل أحداثا كسرت الخواطر وأدمت القلوب وغيرت مسار حياة الكثيرين، في تلك الصحراء القاحلة والمخيفة ضاع خيرة شباب هذا الوطن، هناك فقدنا الرجال وضيعنا الشباب وخسرنا الأموال بدون مبرر، فكانت النتائج مخيفة ووخيمة على هذا الوطن.

سيبقى مشهد تلك الكارثة في ذاكرة كل من اكتوى بنارها، حرب تشاد مأساة جيل وهزيمة جيش وانتكاسة وطن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مبروك المغربي

أسير حرب سابق في تشاد

اترك تعليقاً