معضلةٌ إنسانية

معضلةٌ إنسانية

حروبٌ متتالية ودويّ انفجاراتٍ مفزعة تمزقُ لوحة الصباح الفاتنة، وتدنسُ قدسية الليل الساكن متغاضيّة عن نفحاتٍ من العطف، تمرُ الأيام بوتيرة متباطئة ولكأنّ الأذهان نكّست رايات الدفاع عن شرفها المسلوب، وأذعنت إذعاناً صريحاً لواقعٍ على قدر من الدمويّة جعل الأيام المتشابهة والهواجس تتخذُ شكلاً واحداً يتجسد في الخوف، خوفٌ يشل حركة الحاضر والمستقبل معززٌ بترقب مهيب لموتٍ قادم يُجهل تداعياته.

يحومُ طيف الموت باستمراريّةٍ مضنية في كل بقعةٍ دُكت بوابلٍ من الصواريخ تستهدف أشكال الحياة المتجددة، فتجد في زوايا تلك الأحياء الموحشة قصصاً كتبت فصولها بحرقة قلبٍ طُعن برماح من المعاناة، وقد تعفف أصحابها رغم مرارتها عن قبول المواساة المنبثقة عن شفقة تجرح الكبرياء، يجدون في انزواء أرواحهم عن أنظار أنصار الإنسانية المزيّفة رحمة تُلطف ما ألمّ بهم وعمّق جراحهم، وكل ما تحمله هذه المنعرجات من فقرٍ وبؤس وكفاح لازالت تزخر بمنحٍ سخيّة غير ملموسة إذا ما قُورنت بزاوبع المجاعة التي كشرّت أنيابها في وجه شعوب خائرة القوى، شعوبٌ تُركت وحيدة في المنتصف لمجابهة هذا السيل المُميت والذي ساهمَ في إزاحة الستار عن ماهية الأزمة الإنسانية التي يعيشها العالم اليوم وفند الكثير من الادعاءات التي تتغنى بالعدل. أي عدل؟ شعوبٌ فقدت أبسط مقوّمات المعيشة بسبب حيلٍ دنيئة تزمع السلطات على جعلها واقعاً مراً للجميع.

أبرز المنظمات الإنسانية التي تتشدق علينا اليوم بقيمها ماهي إلا أدواتٌ نصبّت لكي تثور لأجل عرق أو دين محدد يتماشى مع خباياها، هي في ظاهرها تمثلُ ملاكاً لكن في باطنها يقبع شيطانٌ يبث سمومه غير آبهٍ لكم الدماء التي ستُسفك خصوصا ً إذا تعلق الأمر بما تصارعه منطقة الشرق الأوسط من شرورٍ لا طاقة للجبال باحتوائها، الحقيقة المغيّبة عن العقول تتلخص في أن دم العربيّ والمُسلم بات رخيصاً حتى لو أُريقَ ضمن مشهدٍ من مشاهد المجازر التي تقشعر لها الأبدان، فهل ينبغي أن نوجه أصابع الاتهام لمن أحلّ ذلك؟ نحن وقعنا ضحية ضعف نفوسنا وتجرّدنا من تعاليم ديننا وعليه فإننا في وضعٍ اضطراريّ يرغمنا على التأقلم مع ذلك حتى نقرر متى سنُنفِض عنا غبار الذل ونستعيد مكانةً ستعيد مجدنا المفقود.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً