أسئلة من وحي الصداع الشعبي

أسئلة من وحي الصداع الشعبي

نكاد نبلغ السنة الرابعة منذ اندلاع الثورة في ليبيا، ومع ذلك نرى الوضع أكثر تأزمًا من ذي قبل حتى بتنا نعاني مما يمكن وصفه بـالصداع الشعبي، أعني به حالة شعبية من عدم الاتزان والدوار المؤلم . يقول النيهوم “إن الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ”، وهذا ينطبق تمامًا على واقعنا في ليبيا.

لستُ بصدد ادعاء محاولة تشخيص المشكلة الليبية، فلا قِبَل لي بذلك، ولكننا فعلاً بحاجة لأن ينهض المفكرون والمثقفون الليبييون من سباتهم -لا شأن لأدعياء الفكر والثقافة بهذا-. نحتاج أن نعرف من نحن وأين نحن في خضم العالم المتسارع. يُقال أن الشارع الامريكي بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر طرح سؤالًا مُلحًا هو “لماذا يكرهوننا؟!” وحينذاك تصدى مفكرو أمريكا لإجابة هذا السؤال بشكل شافٍ وافٍ؛ بالعملية ذاتها، الحاجة مُلحة لنا كليبيين لأن نتوقف عن كل هذا العبث ونسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة التي لا يمكن لدولة أن تقوم دون معرفة وإدراك إجاباتها.

لستُ مفكرًا، ومعرفتي بالفكر لا تضاهي حتى معرفة الأسماك بعلم الفضاء، ولكن سأسمح لنفسي بمحاولة طرح بعض هذه الأسئلة لعلها تقع في يد مهتم يعيد صياغتها ويطرحها بشكل أفضل:

– السؤال الأول: من نحن؟!

إلى هذه اللحظة نحن لا نعرف أنفسنا ولسنا قادرين على التعريف بأنفسنا كشعب ليبي تعريفًا صحيحًا كاملًا؛ قبل الثورة كثيرون منا لم يكونوا على دراية بوجود عدة أعراق وأجناس تشكل في مجموعها الشعب الليبي الذي كانوا يعتقدون أنه من نوع وجنس واحد. ثمة عرب، أمازيغ، تبو، طوارق، وأقليات أخرى منصهرة في البوتقة الليبية، ورغم هذا لا زلنا نسمع دعوات تُقصي الأعراق الأخرى – عن سهو وعن عمد – وتُحركها غايات قومية عمياء لا يمكن أن تخدمنا كليبيين في محاولتنا لبناء دولة على أرضنا، خصوصًا وأن كل الأعراق قد عبّرت عن نفسها بطريقة أو بأخرى خلال هذه السنوات القليلة الماضية بعد أن كانت مطموسة بالكامل لعقود طويلة.

البعض ينادي بأن نربط اسم دولتنا الوليدة بالقومية العربية، ضاربًا عرض الحائط بالامازيغ والتبو والطوارق والكرغلية الذين صاروا يوصفون بالأتراك عند خصمائهم وبالعرب المستعربة عند أنصارهم. لذلك، ما نحتاجه اليوم هو أن يقوم المفكرون ببحث هذا الأمر ومن ثم تزويدنا بتعريف واضح لا يبخس حق أحد ولا يعطي أحدًا أكبر من حجمه الحقيقي.

– السؤال الثاني: ماذا نريد؟!

هذا السؤال بالذات لا يُمكن أن يجاوَب عنه دون صراحة تامة، هل فعلًا نريد أن نكون دولةً واحدة؟ أم أن هناك من يريد أن يبني دولة خاصة به سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب؟ وهنا أيضًا لا بد أن نذكر أحداث فترة الاستقلال بحذافيرها لأنها تشكل مرجعًا أساسيًا لنا، أعني بذلك أسباب تولية ادريس السنوسي ملكًا على ليبيا رغم أن بعض الأطراف وقتها كانت تطمح لبناء جمهورية وما الذي دفع السعداوي للقول “لنحافظ على الوحدة اليوم، فإن الحرية وإن فقدناها اليوم يُمكن انتزاعها غدًا، أما الوحدة إن ضاعت فلا تُسترد”. عودًا على بدء، كل يوم نسمع دعوات تكاد تكون نوعا من الابتزاز يُطلقها بعض الأطراف مهددًا بالانفصال، لذلك علينا أن نصارح أنفسنا، إن كنا معًا نريد أن نبقى دولةً واحدة فلنعمل على ذلك ولنكف عن التلويحات والتلويحات المضادة سواء بانفصال أو بأن طرف ما هو عالة على طرف آخر وهكذا.

– السؤال الثالث: إلى من ننتمي؟!

ويمكن أن يُطرح السؤال بعدة طرق: أين يكمن امتدادنا الاستراتيجي؟ أو مع من نجد مستقبلنا؟

خلال سنين القذافي الأربعين تخبطت ليبيا تخبطًا محطمًا، فتارة تتجه نحو الوطن العربي، وتارة نحو أفريقيا، وتارة أخرى تتوقع على نفسها أو تميل للشمال الافريقي. أولًا يجب أن ندرك أن لا مستقبل لنا إن بقينا وحدنا نصارع الأمواج الدولية العاتية، اقتصاديةً وسياسيةً وأمنيةً؛ لقد سقطت نظرية الدولة الواحدة من عقود وباتت الساحة مفتوحة للتكتلات والاتحادات فقط، الاتحاد الاوروبي، الناتو، ومجموعة النمور الاسيوية هي أمثلة صريحة على هذه الفكرة؛ ونحن في ليبيا بطبيعة الحال لسنا استثناء، لذلك يجب أن نقرر إلى أين نريد أن نتجه بانتمائنا، أمامنا عدة خيارات ولكنها للأسف ضعيفة، ومع ذلك نحن بحاجة إليها لمستقبلنا وبحاجة لأن يكون هذا رغبة عامة وليس مجرد قرار من حكومة، ولننظر للمساعي التركية على سبيل المثال، ونحتاج لتهيئة أنفسنا قبلًا لهذا القرار؛ فمثلا إن كنا سنتجه لافريقيا فلا بد أن نهيئ أنفسنا قبل ذلك للتوقف عن النظر بترفع إلى الافارقة.

كما قلتُ في البداية، هذه ربما لا ترقى إلى أن تكون محاولة، ولكنني على قناعة تامة بأننا لا بد لنا من إجابة هذه الأسئلة بوضوح ومصداقية قبل أن نشرع عبثًا في لملمة أطراف هذه الدولة الممزقة لبنائها من جديد على أسس راسخة؛ ولا بد طبعًا من أن تتحول هذه الأجوبة إلى قناعات عامة يتشاركها أبناء الشعب كلهم بغض النظر عن أصولهم وتوجهاتهم؛ أتمنى بشدة أن تقع هذه الكلمات في يد مهتم وأن تحرك فيه شيئًا من نية للسبر في أغوار هويتنا الليبية الضائعة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً