تحفظات حول الانتخابات الليبية يمكن أن تشكل خروقات انتخابية يجوز الطعن فيها بطريقة ديمقراطية

تحفظات حول الانتخابات الليبية يمكن أن تشكل خروقات انتخابية يجوز الطعن فيها بطريقة ديمقراطية

رغم أنه ليس لدينا الكثير من التحفظات على ميكانيكية وسير العملية الانتخابية في اليوم الانتخابي ، إلا أنه هناك الكثير من الخروقات الانتخابية  التي تخص في مجملها عدم تولي المفوضية العليا للانتخابات اختصاصاتها المنصوص عليها قانونا وعدم مراقبتها بما يجب من حماية العملية الانتخابية وخاصة ما يخص الدعاية الانتخابية من تمويل وتنظيم. ورغم كل النجاح الذي حققه الشعب الليبي في يومه الانتخابي وما لاقاه من الترحيب الداخلي والخارجي بهذه الانتخابات  ، كان لزاما علينا أن نوضح بعض النقاط التي يمكن أن تشكل خرقا انتخابيا والتي أذكر منها على النحو التالي:

أولا: خروقات في حق الناخبين (تخص توزيع الدوائر الانتخابية)

على الرغم من أن كيفية توزيع الدوائر الانتخابية كان مجحفا لبعض المناطق ، إلا أن الأكثر إجحافا هو توزيع الدوائر الانتخابية بحيث كان كالأتي:

  1. تم توزيع بعض الدوائر الانتخابية إلى نظام فردي  فقط (كما هو الحال  في مناطق الجبل الغربي وبعض المناطق الأخرى ) ، الأمر الذي حرم الكثير من الليبيين في هذه المناطق من انتمائهم إلى أحزاب أو كيانات سياسية وبالتالي إرغامهم على التصويت لأفراد فقط  وفي هذا تمييز عن غيرهم من الليبيين في المناطق الأخرى.
  2. تم توزيع البعض الأخر إلى نظام القوائم  فقط (كما هو الحال  في طرابلس المركز وجنزور) الأمر الذي حرم الكثير من الليبيين في هذه المناطق من اختيار شخصيات مستقلة غير منتمية إلى أحزاب أو كيانات سياسية وبالتالي تمييزهم عن غيرهم من الليبيين في المناطق الأخرى من خلال  إرغامهم على التصويت لأحزاب أو كيانات سياسية فقط .
  3. تم توزيع باقي المناطق الأخرى إلى  النظام المختلط الذي يضم النظام الفردي ونظام القوائم  الأمر الذي جعل من هذه الفئة من الليبيين بأن يتميزوا عن غيرهم من الليبيين في المناطق الأخرى إيجابيا  من خلال  سنح الفرصة لهم بالتصويت للأفراد والكيانات السياسية معا  .

إن في سنح الفرصة لبعض المواطنين بالتصويت للأفراد  فقط ، وللبعض الأخر بالتصويت إلى الكيانات فقط، مع  سنح الفرصة لباقي المواطنين بالتصويت للأفراد والكيانات السياسية معا، يشكل خرقا قانونيا ودستوريا ويعد إخلالا بمبدأالمساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص كما جاء في المادة 6 من الإعلان الدستوري والتي نصت على الآتي:الليبيون سواء أمام القانون،ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص   .

ثانيا: خروقات في حق المرشحين المستقلين

إن الحكمة في تشريع النظام الفردي ونظام القائمة كأساس للعملية الانتخابية هي في جعل  المؤتمر الوطني العام أن يكون مزيجا من معظم أطياف الشعب الليبي وأن يسمح بأكبر تمثيل للمجتمع في هذه المرحلة الدقيقة من بناء ليبيا الديمقراطية ، وهذا لا يتأتى ألا بمنح فرصة للمستقلين الغير مدعومين من أحزاب أو كيانات سياسية للترشح ، ولا شك أن هذه الفرصة تتضاءل بل وتكاد تكون منعدمة إذا ما أتيح لأعضاء الأحزاب أو الكيانات السياسية مزاحمتهم على هذه المقاعد.

 وعليه فالسماح لأعضاء الأحزاب أو الكيانات السياسية بالترشح على النظام الفردي يعد مخالفة  لمبدأ المساواة بين الليبيين في الحقوق وتكافؤ الفرص  كما نصت عليه المادة 6 من الإعلان الدستوري والتي جاء فيها  : ”  الليبيون سواء أمام القانون،  ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص“.

ثالثا : خروقات في حق الأحزاب السياسية

لقد تأخر إصدار قانون الأحزاب  ، الأمر الذي منع الكثير من المخلصين والقادرين سياسيا وماليا على تشكيل الأحزاب السياسية رغم تسرع البعض في تشكيل أحزاب لهم دون سند قانوني ودون إعطائهم الإذن بتسجيلهم رسميا أو السماح لهم بفتح حسابات تخص أحزابهم . استمرت هذه الفوضى السياسية على مرأى ومسمع السلطات التشريعية والتنفيذية دون أن يحرك أحدا منهم ساكنا حتى  تاريخ 25\4\2012 والذي أصدر فيه المجلس الانتقالي قانون الأحزاب.

هذا الوقت كان متأخرا جدا حتى تتشكل الأحزاب وتتهيأ لخوض الانتخابات التي كان مقررا لها تاريخ 19\6\2012 ، علما بأن كل التشريعات الصادرة بخصوص العملية الانتخابية كيفية وتنظيما كانت قد صدرت قبل هذا التاريخ بوقت طويل ، هذا من ناحية الوقت أما من الناحية التنظيمية والقانونية ، فليس هناك على ما ينص صراحة على حق الأحزاب في خوض الانتخابات على أساس أحزاب سياسية بل سُمح لها ذلك تحت ما يسمى بالكيانات السياسية.

إن في تأخر  إصدار قانون الأحزاب  وعدم الإشارة إليها مباشرة في خوض الانتخابات بل تركها تتنافس مع باقي الكيانات السياسية ضمن نظام القوائم  ، لربما كان ذلك أمرا قد “دبر بليل” ، وإلا كيف لا يسمح للأحزاب  أن تخوض العملية الانتخابية باسمها وهي التي من أهدافها الوصول إلى السلطة، ويسمح في الوقت نفسه للكيانات السياسية خوض الانتخابات رغم إنه ليس من أهدافها الوصول إلى السلطة بل هي مؤسسات خيرية اجتماعية لا تسعى بأي حال من الأحوال الوصول إلى السلطة سوى كان ذلك تشريعا أو تنفيذا، وبالتالي لا يحق لهذه الكيانات خوض الانتخابات تحت أي تعليل كان ، وبالتالي يعد خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

رابعا : خروقات تخص عمل المفوضية العليا للانتخابات

رغم أنه ليس لدينا الكثير من التحفظات على ميكانيكية وسير العملية الانتخابية في اليوم الانتخابي ، إلا أنه هناك الكثير من الخروقات الانتخابية  التي تخص في مجملها عدم تولي المفوضية العليا للانتخابات لاختصاصاتها المنصوص عليها قانونا وعدم مراقبتها بما يجب من حماية العملية الانتخابية وخاصة ما يخص من تمويل وتنظيم والتي يمكن أن تشكل خرق انتخابيا كما يلي:

  1. 1.     مدة وموعد بدأ الدعاية الانتخابية

لقد تأخرت المفوضية العليا للانتخابات في تحديد موعد بدأ الدعاية الانتخابية كما تأخرت في تحديد مدة هذه الدعاية وعدم إعطائها الوقت الكافي لذلك ، الأمر الذي نتج عنه عدم الاستعداد الكافي لبعض الأفراد والكيانات للتعريف بنفسها أمام الناخبين وخاصة إن هذا الحدث يحدث لأول مرة في ليبيا بعد ما يقارب من نصف قرن.

هذا الخلل نتج عنه ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع  وكأنهم يقومون بعملية استفتاء على بعض الأفراد الذين يعرفونهم مسبقا وخاصة أولئك الذين تقلدوا مناصب قيادية في الدولة، وبهذا إجحاف في حق المرشحين  الذين لم يتم معرفتهم من قبل الناخبين  رغم نزاهة وقدرة الكثير منهم على خوض هذه الانتخابات والنجاح فيه لصالح الوطن والمواطن. هذا الخلل المتمثل في عدم تكافؤ الفرص   بين  المرشحين الغير معروفين مسبقا وبين أولئك الذين تقلدوا مناصب قيادية في الدولة، يشكل إنتهاكا لمبدأ المساواة بين الليبيين في الحقوق وفقا للمادة 6 من الإعلان الدستوري،  ويعد خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

  1. 2.     السقف المالي للحملة الانتخابية للمرشحين

رغم إن المفوضية العليا للانتخابات قد حددت السقف المالي للحملة الانتخابية للمرشحين بقرارها رقم (85) لسنة 2012 ، إلا أن المفوضية العليا للانتخابات لم تتولي اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا القرار وتركت الحبل على الغارب حتى أن بعض الكيانات السياسية أنفقت مئات الآلاف إن لم أكن مبالغا قد دخل البض منها إلى خانة المليون. أنا لم أقل من أين تحصلوا على هذه الأموال الطائلة  ولماذا لم يساعدوا بها إخوانهم الليبيين على هيئة أعمال خيرية ، بل أكرر السؤال أين المفوضية من هذا التبذير المالي المخالف للعرف والقانون .  فعلى سبيل المثال لقد حددت المفوضية العليا للانتخابات السقف المالي للحملة الانتخابية لكل كيان بمنطقة طرابلس المركز وجنزور بمبلغ 110 ألف لكل منهما ، ولكن من الواضح للمتتبع والمتفرج والناخب والمراقب إن هذا المبلغ لا يشكل إلا جزاء ضئيلا بما تم صرفه من بعض الكيانات المميزة عن غيرها ماليا  .

هذا الخلل المتمثل في عدم تكافؤ فرص الإنفاق على الدعاية الانتخابية   بين  المرشحين سوى كانوا ذلك أفرادا أو كينانات، يشكل مخالفة صريحة لنص قرار المفوضية العليا للانتخابات رقم (85) لسنة 2012  ، ويعتبر إنتهاكا لمبدأ المساواة بين الليبيين في الحقوق وفقا للمادة 6 من الإعلان الدستوري،  ويعتبر تمييزا بين طبقات المجتمع الذي عان منه الشعب الليبي لعقود طويلة, وبالتالي يعد خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

  1. 3.     وسائل الإعلام المخصصة  للحملة الانتخابية للمرشحين

 رغم إن المفوضية العليا للانتخابات قد حددت الإذاعات الوطنية كي تكون منبرا مخصصا للدعاية الانتخابية للمرشحين من الأفراد والكيانات دون تمييز بينهم ومنعت مثل هذه الدعاية أن تكون على الإذاعات الغير وطنية أو التي تبث من خارج الوطن، إلا أن ما حدث هو عكس ذلك تماما وذلك بأن تعثرت الإذاعات الوطنية في قيامها بالدعاية الانتخابية ، وتركت الفرصة سانحة  للكثير من الإذاعات الغير وطنية أو التي تبث من خارج الوطن بإطلاق العنان لبعض المرشحين من الأفراد أو الكيانات دون قيد أو شرط حتى أن بعض الإذاعات قد خصصت معظم برامجها للدعاية لبعض الأفراد أو الكيانات دون غيرها ، الأمر الذي ترتب عليه حرمان الكثير من  الأفراد أو الكيانات من قيامهم بالدعاية اللازمة اسوة بغيرهم .

هذا الخلل المتمثل في عدم تكافؤ فرص القيام بالدعاية الانتخابية  بين  المرشحين سوى كانوا ذلك أفرادا أو كينانات  على وسائل الإعلام المخصصة  ، يشكل مخالفة صريحة لنص قرار المفوضية العليا للانتخابات بهذا الشأن، ويعتبر إنتهاكا لمبدأ المساواة بين الليبيين في الحقوق وفق المادة 6 من الإعلان الدستوري،  ويعتبر تمييزا بين طبقات المجتمع الذي عان منه الشعب الليبي لعقود طويلة, وبالتالي يعد خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

  1. 4.     قيام بعض القيادات الحزبية بالدعاية الشخصية وظهور صورهم الشخصية على الملصقات وإخفاء مرشحيهم.   

من المعلوم في أن الانتخابات التي جرت ليست بانتخابات رئاسية أو انتخابات لقيادات حزبية لتكون ممثلة داخل البرلمان، بل هي انتخابات لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام والذين هم من سيشاركون في صنع القرار من داخل قبة المؤتمر الوطني العام  وليس من خارجه .

إن في عدم معرفة  المواطنين الناخبين لبعض المرشحين بسبب ظهور قياداتهم الحزبية على قوائمهم  ، قد يجعل من الناخبين عرضة لاختيار مرشح في القائمة دون معرفة ذلك المرشح أو التعرف على قدراته بل الاكتفاء في ذلك على قياداتهم الحزبية. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كان هذا الإجراء صائبا من وجهة نظر المفوضية كان لزاما عليها أن تنص على أنه يجوز للقيادات الحزبية أن تقوم بالدعاية بصفتها الشخصية وذلك من أجل أن يكون التنافس متعادلا، أي بمعنى رئيس كيان يقابل نضيره في الكيان الأخر ، وليس رئيس كيان يقابل مرشحا في قائمة الكيان الآخر من حيث الدعاية والقدرة وهكذا,,,,

هذا الخلل المتمثل في عدم معرفة  المواطنين الناخبين لبعض المرشحين بسبب ظهور قياداتهم الحزبية على قوائمهم  ، يعتبر تقصيرا في أداء المفوضية العليا للانتخابات من حيث التوضيح والتعميم ، ويعتبر إنتهاكا لمبدأ المساواة بين الليبيين في الحقوق وفقا للمادة 6 من الإعلان الدستوري،  ويعتبر تمييزا بين الكيانات السياسية  , وبالتالي يعد خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

  1. 5.     قيام بعض القيادات الحزبية بالدعاية  رغم عدم أحقيتهم بخوض الانتخابات.   

رغم إن المفوضية العليا للانتخابات قد نصت في قرارها رقم ( 38 )  على ألا يكون المرشح عضواً بالمجلس الوطني الانتقالي، أو بالحكومة الانتقالية المؤقتة، أو عضواً سابقاً بالمكتب التنفيذي، أو رئيساً لمجلس محلي ، إلا أن ما امتلأت به شوارع المدن والقرى الليبية من صور وملصقات ودعايات كانت تخص بعضا من هذه الفئة المحظورة من خوض هذه الانتخابات،

هذا الخلل المتمثل في قيام بعض القيادات الحزبية بالدعاية  وظهور صورهم الشخصية على الملصقات رغم عدم أحقيتهم بخوض هذه الانتخابات ، يعتير إرباكا لسير العملية الانتخابية والتي من المفترض أن تكون الدعاية الانتخابية مقصورة على المرشحين أنفسهم معتمدين في ذلك على برامجهم وبرامج أحزابهم السياسية  , وبالتالي يعد هذا خرقا إنتخابيا يمكن الطعن فيه.

على الرغم من بعض الملاحظات المذكورة أعلاه قد تشكل خرقا انتخابيا ، ولكنها لا ترقى حسب رأيي بأي حال من الأحوال إلى بطلان العملية الانتخابية أو التشكيك في نزاهتها ، بل هي ملاحظات يجب أن نبني عليها في المستقبل من أجل بناء ليبيا الديمقراطية.  ورغم ما شاب بعض الدوائر الانتخابية من اختراقات أمنية أو  تجاوزات فردية، إلا أنه لا يمكننا إلا أن  نشيد  بالتنظيم الجيد والعمل المنظم الذي بذلته المفوضية العليا للانتخابات، وأن نتقدم بالشكر  لرجال الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية،  وأن نشيد في الوقت نفسه بالسلوك الحسن والحضاري الذي سلكه الليبيون في هذا اليوم الانتخابي بمختلف فئاتهم ومناطقهم، الأمر الذي يحق لنا أن نقول فيه ” إنه لعرس عظيم في يوم عظيم لشعب عظيم” .

وفي الختام ما كان لهذا العرس الانتخابي الديمقراطي أن يحدث ، وما كان لنا نحن الليبيين أن نحتفل بهذا اليوم العظيم لولا تضحيات أولئك العظماء من الشهداء والمفقودين والجرحى والمسجونين ومعهم أحرار ليبيا الشرفاء. فتحية وألف تحية لأسر هذه الفئات العظيمة ، ومبروك وألف مبروك لكل الليبيين ، فمن نصر إلى نصر بعون الله.

عاشت ليبيا حرة أبية

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً