مدى أهمية الانتخابات السابقة في ليبيا ومدى التأثر بها في الانتخابات القادمة

مدى أهمية الانتخابات السابقة في ليبيا ومدى التأثر بها في الانتخابات القادمة

بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من أن الشعب الليبي لم يمارس حقه الانتخابي منذ مشاركته في أخر انتخابات له سنة 1965 ، إلا أن حماسته ورغبته الشديدة في خوض انتخابات المؤتمر الوطني العام التي ستجرى في 7\7\2012 إن لم يتم تأجيلها ثانية ، يعطينا انطباعا وكأن الليبيين لم ينقطعوا عن ممارسة حقهم الانتخابي لفترة تزيد عن 47 عاما.

لقد جرت العملية الانتخابية السابقة في ليبيا إما على أساس حزبي أي أن أعضاء البرلمان هم نواب ممثلون لأحزابهم السياسية المنتميين إليها  ، أو أنها جرت على أساس فردي بنواب مستقلين دون أي مشاركة  للأحزاب السياسية فيها. فالانتخابات الأولى التي جرت في سنة 1952 كانت قد جرت على أساس حزبي وكانت هي الانتخابات الوحيدة التي جرت على هذا الأساس وضمن برامج سياسية حزبية ، بحيث تنافس فيها عن إقليم طرابلس كل من:

  1. حزب المؤتمر برئاسة الزعيم بشير السعداوي .
  2. مجموعة المنشقين عن حزب المؤتمر الوطني برئاسة مفتي ليبيا محمد أبو الأسعاد العالم .
  3. حزب الاستقلال  برئاسة السيد سالم المنتصر .

 أما عن إقليم برقة فقد تنافس كل من:

  1. جمعية عمر المختار.
  2. المؤتمر البرقاوي.

لقد كان الشغل الشاغل لليبيين في ذلك الوقت هو إعلان الاستقلال في الوقت الذي حددته الأمم المتحدة وهو قبل أول يناير 1952 ، والحفاظ على وحدة ليبيا والمناداة بالوحدة والحرية والتحرر من الاحتلال الأجنبي، وهذه هي المحاور الرئيسية التي وضعتها الأحزاب وسارت عليها من أجل كسب أصوات الناخبين آنذاك. رغم إن هذه الانتخابات قد أدت إلى بروز حكومة منتخبة ومعارضة برلمانية، إلا أن ضعف الوعي الديمقراطي لكل من الحكومة والمعارضة والمتمثل في اتهام المعارضة للحكومة بتزوير الانتخابات ونفي الحكومة لذلك هو ما أدى في النهاية إلى تصادمات بين الحكومة والمؤتمر الوطني برئاسة الزعيم بشير السعداوي والتي  كان من نتيجتها إلغاء الأحزاب السياسية ، وجعل الانتخابات مقصورة في الدورات البرلمانية التالية على أساس فردي .

بعد إلغاء الأحزاب  واستمرار الانتخابات على أساس فردي ، لاحظ الشعب الليبي عدم قدرة الانتخابات على استيعاب معظم فئات الشعب وإنما اقتصرت على كونها ذات طابع إقليمي وقبلي ومصلحي، هنالك فقد الشعب الليبي الثقة في الانتخابات ، وانتفض لأثرها في سنة 1963 في عهد حكومة السيد محي الدين فكيني . حيث بعدها في يناير 1964 اندلعت في ليبيا مظاهرات والتي كان أبرزها تلك المظاهرات الطلابية التي تجمع فيها المتظاهرون خارج القصر وهم يهتفون بشعارات تمجد عبد الناصر فيما تعبر عن العداء تجاه الملك إدريس، الأمر الذي أدى إلى مصادمات مع الشرطة جُرح خلالها عدد من الطلبة المتظاهرين، واعُتبر رئيس الوزراء مقصراً لأنه لم يكن حازماً بما فيه الكفاية لمواجهة مثل ذلك التهديد الخطير للأمن العام.

إن المراقب للعملية الانتخابية السابقة في ليبيا يمكنه أن يستخلص على أن تلك الانتخابات عادة ما كانت تؤدي إلى فوز أنصار الحكومة وخاصة في مدن وقرى الدواخل بينما يفوز أنصار المعارضة وخاصة المرشحون من أعضاء المؤتمر الوطني في مدينة طرابلس وبعض المدن الكبيرة الأخرى. لقد تجلت هذه الظاهرة باستمرار في كل الانتخابات التي جرت وخاصة خلال الدورات الانتخابية التي جرت في سنة 1956 وسنة 1960. ولكن بعد مرور تلك الفترة القاسية على النظام الليبي الديمقراطي ظهرت العديد من النداءات الوحدوية والعديد من الأصوات الداعية إلى جلاء القوات الأجنبية من ليبيا والتي إليها يرجع الفضل إلى عودة الشعور الوطني إلى قوته المعهودة وبالتالي التشجيع على إجراء الانتخابات في جو من الحماس والتجاوب الشعبي من جديد كما حدث فيما بعد في الدورات الانتخابية التي جرت في سنة 1964 وسنة 1965.

وحيث أننا على أعتاب انتخابات المؤتمر الوطني العام التي ستجرى بعد أيام قليلة  إن لم يتم تأجيلها ثانية ، ومن بعدها الاستمرار في العملية الانتخابية وبناء ليبيا الحرة الديمقراطية فيما بعد إنشاء الله ، عليه فإنني سأذكر بعض النقاط المتعلقة بالعملية الانتخابية السابقة السلبية منها والايجابية وذلك من أجل تفادي النقاط السلبية لتلك الانتخابات، وتبني تلك النقاط الايجابية في انتخاباتنا القادمة.

النقاط السلبية:

  1. التدخلات الحكومية المتكررة في العملية الانتخابية.
  2. مؤازرة الحكومة للعناصر الموالية لها من خلال التركيز على المناطق التي يقل فيها الوعي الشعبي ومستوى التعليم.
  3.  قيام العديد من الموظفين الموالين للحكومة وضباط الأمن والزعامات الإقليمية والقبلية ورجال الأعمال وأصحاب المصالح بتشجيع الناخبين ودفعهم إلى اختيار مرشحي الحكومة.
  4. بروز المنافسات والصراعات المستديمة بين شرائح الطبقة الحاكمة.
  5. تعمد الحكومة في التدخل المباشر لمنع المعارضين المعروفين من الترشيح بوضعهم تحت الحبس أو الإقامة الجبرية طوال فترة الترشيح كما حدث في انتخابات سنة 1964.
  6. الانتخابات الفردية التي جرت دون تمثيل الأحزاب لا تعكس في الواقع اختلاف الرأي العام وتطلعات الشعب لتحقيق مطالبه الشرعية.

النقاط الايجابية:

  1. لقد تمتعت ليبيا في العهد الملكي بشيء  من الديمقراطية الحرة قال فيها الشعب كلمته دون قيد أو رقابة.
  2. رغم  التدخلات الحكومية المتكررة في العملية الانتخابية إلا أن الشعب كان دائما لها بالمرصاد.
  3. عدم ترك الحكومات المتكررة الانفراد في  أخد القرارات دون الرجوع إلى المعارضة في ذلك.
  4. رغم أن مجلس الوزراء هو المسئول في توجيه الشؤون الداخلية والخارجية للدولة إلا أنه محاسب أمام مجلس النواب.
  5. عدم ترك الفرصة لرئيس الوزراء تنفيذ قرارات الملك دون الرجوع إلى مجلس النواب في ذلك.
  6. إن من دلائل تطبيق الديمقراطية  في ليبيا آنذاك هو تعدد تشكيل الحكومات ، بحيث تشكلت في العهد الملكي 11 حكومة خلال 18 عاما كما هو مبين على النحو التالي :

إخوتي الأعزاء:

لعل في الانتخابات الليبية السابقة عبرة لنا نحن الليبيين الذين على أبواب أول انتخابات بعد التحرير، وما أشبه اليوم بالبارحة حيث إننا نخوض في هذا الوقت أول انتخابات بعد التحرير والتي هي أشبه بتلك الانتخابات الأولى بعد التحرير التي خاضها أبائنا وأجدانا  في سنة 1952. لقد حرص أبائنا وأجدانا  في سنة 1952 على خوض تلك الانتخابات وعمل الكثير من أجل إنجاحها ، وذلك حرصا منهم على عدم وضع ليبيا تحت الوصاية من جديد حسب مشروع بيفن سفورزا . والأجدر بنا إخوتي الأعزاء أن نحدو  حدوا أبائنا وأجدانا  وأن نكون أحرص منهم من أجل إجراء الانتخابات وإنجاحها وذلك حرصا منا على عدم وضع ليبيا تحت القهر والاستبداد والحكم الفردي من جديد. لقد تخوف أبائنا وأجدانا  من مشروع التقسيم الذي أرساه بيفن سفورزا والذي سمي بالنظام الفدرالي، وعملوا الكثير من أجل إبطاله حتى تحقق لهم ذلك في العام  1963 بقيام الدولة الليبية الواحدة والغير معتمدة على النظام الفدرالي. والأجدر بنا ثانية إخوتي الأعزاء أن نحدو  حدوا أبائنا وأجدانا  وأن نكون أحرص منهم من أجل إجراء الانتخابات وإنجاحها وتفويت الفرصة على أولئك الذين يسعون إلى ضرب الوحدة الوطنية من خلال ما يسمى بالنظام الفدرالي.

أعزائي الكرام:

أنتم الآن مدعوون لدعم الحملة الانتخابية والتصويت بقوة في المؤتمر الوطني العام تحت إشراف المفوضية العليا للانتخابات، آخذين في الاعتبار النقاط السلبية المتعلقة بالعملية الانتخابية السابقة والعمل على تفاديها, وتبني تلك النقاط الايجابية منها في الانتخابات الحالية. وحيث أن هذه الفترة مهمة جدا وحرجة فعليكم بأن تكونوا جادين ولا تهملوا هذا الأمر حتى يستغله ويستفيد منه أصحاب المصالح الشخصية وأصحاب الأجندات الداخلية والخارجية .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً