ليبيا كدولة فاشلة!

ليبيا كدولة فاشلة!

ظهر مصطلح الدولة الفاشلة على الساحة الليبية في منتصف العام الماضي. كانت مفوضة الأمن الداخلي الأوروبية سيسيليا مالمستروم هي أول من أطلقت هذا الوصف على ليبيا في مؤتمر صحفي عقدته بالعاصمة البلجيكية بروكسل في السابع من يوليو 2014، أي بعد سنتين من أول انتخابات عامة في البلاد.

ترددت هذه الكلمات على مسامع الليبيين ومتتبعي الشأن الليبي عدة مرات بعد أن استخدمتها وسائل إعلام كبرى مثل الغارديان وقناة البي بي سي وغيرهما. على غير العادة، لم تثر هذه الكلمات ثائرة الليبيين رغم أنها تنذر بخطر كبير قد لا نعي حجمه الحقيقي قبل أن يداهمنا. وربما يُعزى ذلك إلى غياب التعريف الواضح لمصطلح “دولة فاشلة” خصوصا عندما نعلم أنها وصلت إلى العربية عبر ترجمة المصطلح الإنجليزي ولم تكن مصطلحا عربيا بالأساس.

على أية حال، من المهم جدا أن نعرف ما الذي يعنيه كون ليبيا دولة فاشلة، وأنا على يقين بأن إدراك هذا الأمر كفيل بتسهيل فهم بعض من التعاملات الدولية مع ليبيا.

يعرّف جون مكروميك في كتابه “علم السياسة المقارن” الدولة الفاشلة على أنها دولة بدون حكومة أو بحكومة ضعيفة إلى درجة أنها لا تقوى على توفير احتياجات المواطنين الأساسية، وتتصف باقتصاد منهار أو على حافة الانهيار.

المؤسف في وسم ليبيا بالدولة الفاشلة هو أننا نشترك هذه الصفة مع دول مثل نيبال، هايتي، والصومال. بيد أن الخطر الذي قد لا يظهر للعيان يكمن في تعامل المجتمع الدولي مع الدول الفاشلة.

يعرض البروفيسور كيلي شو، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الأمريكية، ثلاثة طرق تسلكها الدول الكبرى عادةً لمعالجة مشاكل دولة فاشلة ما.

الأولى هي تشجيع المواطنين في تلك الدولة على العمل تجاه هدف مشترك واحد، مثل تأسيس حكومة الوحدة الوطنية التي يسعى لها الإسباني ليون في ليبيا.

ثاني الطرق هي ترك تلك الدولة وشأنها والتغاضي عنها تمامًا، يحدث هذا عادة في الدول التي لا تمس الأمن القومي للدول الكبرى، رواندا على سبيل المثال في التسعينيات.

أما الثالثة فهي التدخل العسكري وهي الأخطر، ولا يخفى على أحد ما أدى إليه في أفغانستان ودول أخرى.

اليوم، تسعى دول أوروبية مثل إيطاليا لشرعنة تدخل عسكري في ليبيا يجلب “الاستقرار والأمن” للبلاد المقابلة لأوروبا ومحطة المهاجرين الرئيسية تجاه السواحل الأوروبية.

كذلك، تم استغلال الوضع الليبي وكونها دولة فاشلة من قبل دول مثل مصر والإمارات اللتان قصفتا بالطيران مواقع ومواطنين ليبيين من دون أن تتحرك الأمم المتحدة حتى بتصريح إدانة للهجوم.

وعلى ما يبدو أن حكومة السيسي قد استغلت ما يسمى في القانون الدولي بـ”مسؤولية الحماية” لقصف مواقع فجر ليبيا المناهضة لحليف مصر حفتر، الأمر الذي راح ضحيته قرابة الثلاثين شابا.

عوداً على بدء، تلك كانت إحدى نتائج وصف ليبيا بالدولة الفاشلة والتي لم ننتبه لها من البداية، وللأسف فإن التحركات الأوروبية الأخيرة تشير لاحتمالية استعمال الدول القريبة من ليبيا للقوة العسكرية، أولا في ضرب المهاجرين غير الشرعيين على الشواطئ الليبية، وثانيًا في ضرب أهداف عسكرية محددة، بموافقة من أمريكا، إن لم تشارك أصلا.

التدخل الأجنبي لن ينتهك السيادة الليبية فحسب، بل سيؤدي بنا إلى ليبيا لا تختلف أبدا عن الصومال والعراق وأفغانستان وباقي الدول التي تم تصنيفها كدول فاشلة من قبل وتدخل فيها المجتمع الدولي بالقوة.

إذا ما أردنا تجنب هذا السيناريو، فليس في الأفق بديل عن عن انتهاج السبيل السلمي من خلال العمل على تشكيل حكومة وطنية واحدة تجمع كل الأطياف، والأمر ليس صعبا البتة إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن الانقسام سياسي بحت ولا علاقة له بالدين أو العرق أبدا.

ومع نفاذ صبر الاتحاد الأوروبي وتزايد أفواج المهاجرين غير الشرعيين، تبقى الكرة في ملعبنا لمدة زمنية محدودة جدا، وعلى ما يبدو قصيرة جدا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً