الإجتماع المسيار.. والتصويت بالتقسيط !

الإجتماع المسيار.. والتصويت بالتقسيط !

من ليبيا يأتى الجديد حقا …كل المفاهيم التى تعب العالم كثيرا للوصول اليها ووضع لها معاييرا و آليات لتطبيقها تاهت فى زوبعة الحالة الليبية ,و لم تعد لا تحمل مضمونها و لا تعرف لها موقعا. الديمقراطية لم تعد تعنى  حكم الأغلبية, و احترام الأقلية, و تطور فى المشاركة العامة ,و الإحتكام لصناديق الإقتراع.

لقد تحولت عندنا الى ديمقراطية مغالبة الأقلية,و مغالبة السلاح و ان اقتضى الأمر مغالبة البلطجة !! بعيدا عن الحوار العقلانى واحترام حق الإختلاف ,والإلتزام بالقواعد الموضوعة سواء كانت دستورية او قوانين  أو لوائح او تفاهمات ثم الإتفاق عليها  .  هكذا كان الحال فى المؤتمر الوطنى, و تبعه مجلس النواب, و انتقلت العدوى للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

اما التوافق فياله من مصطلح مسكين  كم عانى  فى الحالة الليبية من خلط للمفاهيم , و تبرير للكثير من المواقف المناقضة تماما للتوافق . لم يعد معناها اعطاء الأمر فرصته الكبرى من النقاش و الحوار, و الأخذ عند اتخاذ القرار برؤى الأقلية  فى الإعتبار دون اخلال بحق الأغلبية فى التقرير , بل صار ايضا فرضا لرأى الأقلية !  أو محاولة فرض الإجماع لما لا يمكن الإجماع عليه أى التعطيل ثم التعطيل.

و باسم التوافق بدأت الحقائق  تلوى ليا ليصبح معها الباطل حقا ,  و الصواب خروجا عن المألوف , و هذا ما حصل فيما يسمى مسودة لجنة العمل 2 و توافقات صلالة و يالها من ضلالة .  يتوافق المتوافقون , و يخلون بالتوازن بإقصاء ممثلى حوالى  60% من السكان ؟ و يقولون وصلنا لتوافق !

اما الشفافية  و ما تعنيه من كشف لكل اعمال المؤسسات السياسية ,و علانية اجتماعاتها و حق الجمهور فى الإطلاع على كل القرارات ووضع كل الحقائق امام الشعب, فهى لدينا غائبة و مغيبة.  ان ما يطبع عمل مؤسساتنا و المفترض ان تكون ديمقراطية  و مفتوحة هو السرية و الكتمان ,و كأنها نواد سرية تحتكر وحدها سلطة القرار دون أى مشاركة لمؤسسات المجتمع فى ذلك  .

و طال الأمر كل المفاهيم المتعارف عليها لتسيير العملية الديمقراطية ,من اللوائح التنظيمية , الى قواعد عقد الجلسات ونصابها القانونى و جدول اعمالها  , و مفهوم الأغلبية , و آليات اتخاذ القرار , و محاضر الجلسات و ثوثيقها , جميعها  طالها التشويه عندنا و فقدت معانيها طوعا و قسرا !

كل ذلك و نقول لا بأس انها مراحل انتقالية ننتقل فيها من حالة سيئة الى حالة اسوأ و نمنى انفسنا بالإستقرار الدائم عند صدور الدستور و قيام مؤسسات الدولة …. و لكن يا سادة العرق دساس , و ما فيش حد خير من حد  كما نقول فى مأثورنا الشعبى, و هاهى الهيئة التأسيسية تسبق المؤتمر الوطنى و مجلس النواب فى شطحاتهما , و تشطح شطحا  لا مثيل له لم  يأت به لا الأولين و لا الآخرين !

بعد عودة بعض اعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور من رحلتهم الميمونة لصلالة , و بمجرد وصولهم لمدينة البيضاء عقدوا العزم على اصدار مشروع مسودة الدستور كيفما اتفق , غير عابئين بكل الأصول الديقراطية و القانونية متكئين على مساندة بعتة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا.

بدون أى مقدمات قاموا بتعديل اللائحة الداخلية للهيئة بأغلبية 23 صوتا من 30 صوتا عدد الأعضاء الحاضرين , و قاموا بتعديل المادة (60) باللائحة الداخلية بحيث تنص : على انه  أذا تعذر الحصول على النصاب القانوني, يفتح النقاش مرة أخرى في المواد المعنية , و تعرض للتصويت عليها مرة أخرى ويتم الموافقة عليها بأغلبية ثلثى الأعضاء الحاضرين زائد واحد . و هذا ما يعد مخالفة صريحة للإعلان الدستورى الذى ينص على ان قرارات الهيئة التأسيسية تصدر باغلبية ثلثى الأعضاء زائد واحد أى ب 41 صوتا .

بتاريخ 19 ابريل 2016 م عقدت جلسة للهيئة التأسيسية و كان الحضور عند افتتاح الجلسة 32 عضوا !! حيث تمت تلاوة المسودة التى اطلق عليها مسودة التوافق !! و عرضت للتصويت كحزمة واحدة من الديباجة الى المادة 221. و كانت النتيجة بنعم 33 صوتا من 36 عدد الحاضرين و فجأة قام احد الأعضاء خارجا من القاعة رافعا يده لا احد يعرف استئدانا بالخروج كما جرت العادة ؟ا م تأييدا ؟ و صاح احدهم داخل القاعة بصوت عال 34 و هكذا اعلنت النتيجة بتمرير المسودة ب 34 صوتا من 36 عضوا حاضرا الجلسة .

الأمر لم يقف عند هذا الحد بل قدم مقترح بتعديل اللائحة نال 22 صوتا من عدد 30 عضوا حاضرا اضيفت فيه مادة جديدة للآئحة تقضى  بفتح كشف التوقيعات للأعضاء الغير حاضرين ! لكى ينضم عدد آخر من الأعضاء لإعتماد مسودة مشروع الدستور . و مبرر ذلك هو  الوصول الى النصاب القانونى و تصحيح الإجراءات السابقة بحيث لا تكون مدعاة للطعن فيها !! صدق او لا تصدق هذا ما حصل !

بهذا الإبتكار تكون الهيئة التأسيسية قد حلت مشكلة الهيئات السياسية و البرلمانات فى العالم فلم يعد هناك داع لعقد الجلسات ولا  لزوم لوجود النصاب لعقد الجلسة ولا لزوم  أن تكون فى اوقات معينة  ولا لزوم  ايضا لإجراء عملية التصويت  داخل القاعة و لا لزوم اصلا لوضع اللوائح التنظيمية .

اصبحت الحياة  السياسية الديمقراطية ميسرة فعلى طريقة الهيئة التأسيسية الجديدة  يمكنك اتخاذ القرار  بطريقة الإجتماع  المسيار و التصويت  بالتقسيط  حيثما كان الأعضاء و فى أى وقت شئت او شاؤوا  . الشقيقة لبنان و هى التى سبقتنا فى الديمقراطية بأكثر من خمسين عاما , لم تهتد لهذا الحل السحرى و ضيعت من عمرها سنة و نصف لأنها لم تستطع انتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم الحصول على النصاب اللازم لإنعقاد الجلسة  !

و لننظر  ايضا الى الجانب السياسيى من الموضوع حول هذا التصويت على هذه المسودة و التى حصلت على 34 صوتا من 36 عدد الأعضاء الحاضرين و مدى صحة تمثيلها للواقع الليبى . الذين لم يصوتوا على هذه المسودة كانوا من مختلف انحاء ليبيا بل و اكثرها كثافة سكانية وفق ما يلى  : –

عدد سكان المنطقة الغربية حوالى 3,500,000 نسمة

الأعضاء المقاطعون يمثلون حوالى  2,700,000 أى بنسبة  77 % من سكان المنطقة الغربية .

عدد سكان المنطقة الشرقية حوالى 1,600,000 نسمة

الذين لم يصوتوا يمثلون حوالى 570,000 نسمة  , أى بنسبة 35% من سكان المنطقة الشرقية

عدد سكان المنطقة الجنوبية حوالى 390,000 نسمة

الذين لم يصوتوا يمثلون حوالى 157,000 نسمة , أى بنسبة 40% من سكان المنطقة الجنوبية

و نخلص من ذلك بأن الذين لم يصوتوا على مسودة مشروع الدستور التى اعلنتها الهيئة التأسيسية هم يمثلون اكثر من 60% من سكان ليبيا . فعن أى توافق يتحدثون ؟؟

الأمر المؤسف للغاية و الذى اراه معيبا جدا و به الكثير من العشوائية هو تمرير المسودة هكذا كحزمة واحدة و بدون أى مناقشة  و ربما تكون السابقة الأولى فى تاريخ صياغة الدساتير ان تتم عملية التصويت بمثل هكذا تبسيط !

من المعروف انه عند تفسير النصوص الدستورية فأنه من االضرورى الرجوع للأعمال التحضيرية و التى تشمل الدراسات و المذكرات و المناقشات التى دارت  و محاضر الإجتماعات , و هنا ستكون هناك اشكالية كبيرة ,لأنه لم يتم تداول أو مناقشة اى مادة من مواد المسودة بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور . بل ان ما تم فى صلالة من توافقات و تعديلات ,قد لا يعتبر عملا رسميا من اعمال الهيئة و لا تخرج عن كونها مخرجات ورش عمل , لأنه لا يجوز اصلا عقد جلسات للهيئة خارج ليبيا حيث صدر السنة الماضية حكم  بهذا الخصوص من محكمة استئناف الجبل الأخضر الدائرة الإدارية بمدينة البيضاء.

بناء الدولة أمر هام و مسئولية ثقيلة يجب ان يتجنب  فيها  الجنوح نحو  المغامرة ,  و يجب  أن تتميزعملية البناء بالرصانة وان تتصف بالعقلانية  و ما تقتضيه من جهد و حكمة و عمل دؤوب و صبر و أناة .

و السؤال هل هناك حل ؟

نعم هناك دائما حلول متى وجدت الرغبة الصادقة فى الحل !

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً