يا جارى دبر عليا

يا جارى دبر عليا

يا جارى دبر عليا

فى ذكرى الثورة التونسية

تحى تونس هذه الأيام الذكرى الخامسة لثورتها ببعض التفاؤل وبعض التوجس. تفاؤل بأن تجتاز تونس ازمتها الراهنة المثمثلة فى ضعف الإقتصاد نتيجة ضرب السياحة وخروج كثير من المستتمرين وارتفاع البطالة، وتوجس من انتكاس عملية التحول الديمقراطى نتيجة التهديدات الإرهابية وما قد تؤدى اليه من دخول البلاد فى حالة من الفوضى.

حتى الآن تعتبر تونس  الدولة الوحيدة التى خرجت بأقل الخسائر من الربيع العربى وتجاوزت كثيرا من ازماتها السياسية اثناء المرحلة الإنتقالية بطريقة ربما تكون سلسة وبرهنت انها اكثر نضجا وأكثر عقلانية. بالطبع هناك ظروف ساعدت تونس حتى الآن، على السير فى خط التحول الذى ينحو نحو السلم ومن ذلك:

1- الحفاظ على المؤسسة العسكرية محايدة وخارج الصراع السياسي وبقاؤها موحدة وقوية والمحتكرة الرئيسية للسلاح فى الدولة.

2- عدم انهيار المؤسسات الأمنية واعادة تأهيلها بسرعة دون ان تفقد توازنها.

3- بقاء السلطة القضائية معافاة تعمل وبشكل اعتيادى.

بالطبع يضاف الى تلك العوامل، عوامل اخرى لا تقل اهمية وهى:

• نضج نسبى للأحزاب السياسية التونسية، واستيعابها للأستحقاقات الوطنية، وما تتطلبه مرحلة التحول الديمقراطي من تنازلات وتوافقات.

• دور الإتحاد التونسى للشغل فى الوساطات السياسية، والتدخل لحلحلة كثير من الإختناقات، وذلك بما يملكه هذا الإتحاد من رصيد نضالى وتاريخى، وما يمثله من ثقل فى المجتمع التونسى.

• وجود مؤسسات مجتمع مدنى اكثر فاعلية ، وخاصة تلك المعنية بحقوق الإنسان.

• وجود منظمات أصحاب الأعمال، وأهمية دورها فى الإقتصاد التونسى.

• دور المثقفين ورجال الفكر والأدب والصحفين والمؤسسات الإعلامية، فى تناول القضايا الوطنية بمستوى فيه الكثير من المسئولية ، وبعيدا عن التحريض على العنف.

جميع هذه المؤسسات المجتمعية لعبت دورا بارزا ومحوريا فى تجنيب تونس الدخول فى اتون الفوضى، والصحوة المبكرة للمخاطر التى يمكن أن ينجم عنها التفكك المجتمعى نتيجة سياسة الإستقطاب ومحاولات التفرد بالسلطة لأى قوى اجتماعية أوسياسية.

ولكن رغم ذلك، لم تكن المسيرة سهلة فقد صاحبتها الكثير من المخاطر التى كادت ان تؤدى بالبلاد للأسوأ، وواجهت تونس مصاعب مفصلية لا تختلف فى جوهرها عما نعانيه نحن.. الفرق هوفى طرق المعالجة، والقدرة على استيعاب المخاطر، وتغليب المصلحة الوطنية من قبل كل الأطراف السياسية  بعيدا عن الجهوية والعصبية الحزبية.

لقد تشكلت فى تونس منذ الثورة 8 حكومات متعاقبة خلال 5 سنوات من عمر الثورة بدءا من الحكومة الأولى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة محمد الغنوشى مرورا بالحكومة الإنتقالية فى يناير 2014 والتى جاءت تتويجا للإتفاق السياسي بين حكومة الترويكا بقيادة حزب النهضة واطراف المعارضة.

لقد واجهت تونس ازمة حقيقية كادت أن تؤدى الى حرب اهلية، وذلك عقب اغتيال السياسي والنائب محمد البراهمى فى يوليو2013، حيث تصاعدت الإحتجاجات المطالبة باستقالة حكومة الترويكا بقيادة حزب النهضة، وحل المجلس الوطنى التأسيسي واعادة الإنتخابات. ولقد شهدت الساحة السياسية تصاعدا فى الإستقطاب وتبادل الإتهامات بين حزب النهضة وحلفائه من جهة واحزاب المعارضة ومؤيديها من مؤسسات المجتمع المدنى من جهة اخرى. كما شهدت هذه الفترة تصاعدا للعنف ومواجهات مسلحة بين الجيش والتنظيمات الإرهابية فى جبل الشعانبى اثر اغتيال 9 من افراد الجيش. وعاشت العديد من المدن التونسية حالة من الإضطرابات والإحتجاجات وعمليات التفجير. كما تم تعليق اعمال المجلس الوطنى التأسيسي، ودخلت البلاد فى حالة شلل تام وحالة شديدة من الإحتقان. فى هذه الأجواء المشحونة، تقدمت 4 منظمات تونسية من مؤسسات المجتمع المدنى بمبادرة لحل الأزمة، ورعت الحوار بين الأطراف السياسية المتصارعة ، وقد توصلت الى حل بعودة اعمال المجلس التأسيسي لمباشرة اعماله لإنجاز الدستور واقرار قانون الإنتخابا، واستقالة حومة الترويكا بقيادة النهضة، وتشكيل حكومة  انتقالية من الشخصيات المستقلة.

نجح التونسيون بذلك فى تجنيب بلادهم الدخول فى الفوضى، وذلك بتغليب الأطراف السياسية المختلفة للمصلحة الوطنية ، وتكاتفهم جميعا لمحاربة الإرهاب الذى يشكل تهديدا لتونس واستقراراها، والوقوف مع الجيش  ودعم الأجهزة الأمنية فى مكافحة الإرهاب.

ان وعى الأحزاب التونسية الرئيسية للمصلحة الوطنية، جعلهم يعتمدون مبدأ التوافق والتعاون فيما بينهم للخروج بتونس الى بر الأمان، فهاهى تونس الآن ورغم ما يواجهه الحزب الرئيسي صاحب الأغلبية بالبرلمان نداء تونس من مشاكل الإنشقاق، الآ ان حزب النهضة ما زال ماض فى تعاونه مع حزب نداء تونس ومع الإحزاب الأخرى من اجل بناء الإستقرار فى تونس.

نحن فى ليبيا واجهنا مثل مشاكل تونس فى اختلاف الرؤى السياسية ، وبدلا من ان ننهج طريق الحوار وقبول الإختلاف ، لجأنا الى العنف بأقصى درجاته ، سواء على مستوى الخطاب السياسي وما حواه من مصطلحات التخوين، وباللجوء للسلاح لفرض الرأى بالقوة. ذهبنا فى طريق الصدام بديلا للحوار حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه من تقسيم البلاد الى اجزاء عدة، وغابت الدولة بمفهومها المتعارف عليه، وصار لنا جيوش وحكومات ومؤسسات سيادية عدة، وضاعت منا البلاد وضاع المواطن ضحية لهذا الصراع الأخوى!!!

الآن توصلنا الى اتفاق سياسي برعاية الأمم المتحدة، وشكلنا حكومة الوفاق، وعلينا الا نعود للوراء وان نمضى فى طريق بناء مؤسسات الدولة الليبية ونحاول اصلاح الأخطاء بدلا من هدم ما وصلنا اليه. نحن مشكلتنا الرئيسية الآن فى تمدد داعش وتمكنها من السيطرة على بعض المدن والمناطق وما ثمتله من تهديد لنا جميعا. من هنا علينا التكاتف لمحاربة الإرهاب لإعادة الأمن والإستقرار لبلادنا، وعلينا الإستفادة من اخطائنا الماضية ولا تكون تلك الأخطاء عائقا أمامنا فى الوصول الى توافقات وطنية. جارتنا تونس قريبة منا والأحرى بنا ان نستفيد من تجربتهم فى اجتياز المصاعب وتغليب مصلحة الوطن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • fituri

    المشكلة في ليبيا هي تسلط نفود اشخاص ودول في الشأن الليبي فلا وجود الى أي اتفاق ولا وفاق سياسي ولا عسكري فالمتتبع لسير المحادثات والمفوضات في كافة المواقع (جنيف-الصخيرات-الجزائر ….الخ) نلاحظ
    ان هناك سلطة خارجية تسير هدة المفوضات وتفجا بتوقيع مسودة الاتفاق السياسي من اطرف غير مكلفة بالتوقيع من الطرفين فهدا يبين لنا ما بنيا على باطل فهو باطل , زد على دلك ازمة لجنة بل كارته هيئة الدستور مع احترامي للعديد منهم الشرفاء فلا وجود الى أي نتائج لهدة الحطة رغم الزمن الدى مر ويمر وسو ادارة رئيس الهية لها امريكي الجنسية . على ليبيا السلام … والسلام عليكم

  • متفائل

    بارك الله فيك علي هذا المقال القيم. عناصر حمايت الوضع السياسي في تونس موجوده في الجيش والشرطه والقضاء والشعب . للأسف ان ليبيا ليس لها تاريخ في الحكم اوالقانون. اضافت الي ان هذا البلد مر باصعب وأطول فترت فراغ سياسيي وانهيارفي روابط المجتمع منذ العصر المظلم. ما يجري في الساحه الليبيه الان لايبشر بخير. الحل الوحيد لفك ازمت هذا البلد هو ان يصبح كل فرد يفكر في ما يقدمه لبناء مستقبل ليبيا بدلا من من مصالح شخصيه الثي قد تزيد الدمار. وهذا سياخذ فتره طويله . “قال الشيطان لما قضى الامر فلا تلوموني ولومو انفسكم” . عيني تدمع علي الأطفال والأجيال الجديده.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً